القرين

يكبر فينا صغاراً، ويلازمنا أعواماً ونحن كبار، يحتل عقولنا وتفكيرنا إن لم نتعلم كيف نروضه ونطوعه رفيقاً وقريناً لرحلة لا نعلم متى تنتهي.

يسلبنا الاستمتاع بالحاضر وما به من نعم وخير، ويقفز في مخيلتنا كطفل عنيد لا يهدأ إلا إذا غلبه النوم، يحرمنا الاسترخاء والتسليم بخيرية ما تحمله يد القدر، ويقض مضاجعنا على أحبتنا خوفاً أن يصيبهم شر.

يقذفنا كل ثانية بعشرات الأسئلة التي تلهث خلف المجهول بحثاً عن اطمئنان بعيد المنال وراحة مكتملة لم تُخلق لدنيا عنوانها «الشقاء».

كيف سيكون الآتي من العمر؟ ومتى تنتهي هذه المشكلة أو تلك؟ وعلى أي حال سيكون المستقبل؟ ولماذا أمضيت كل هذا الوقت في الوظيفة ذاتها؟ ولمَ لم أتخلص من كل العلاقات السامة حتى الآن؟.. وغيرها الكثير والكثير من التساؤلات التي يعجز الحاضر عن تفسيرها لحكمة ربانية وسر إلهي يتكشف مع الوقت إن أحسنّا الظن.

إنه القلق الزائد والخوف من الغد والتحسب الدائم لما سنكون عليه في قادم الأيام، ذاك الشعور الدفين الذي يلتهم راحتنا حين ينفرد بنا إن لم نحمِ أنفسنا ونحصّن أيامنا بالرضا والثقة بالخالق المدبر.

القلق قرينٌ ثائر يرافق تطلعاتنا وطموحاتنا، يهدأ فقط ويقف صفنا حين نبذل كل وسعنا من جهد وعمل ثم نترك ما لا يد لنا فيه ولا حيلة، ففي نهاية اليوم «على المرء السعي، وليس عليه إدراك النتائج».

فكثيراً ما يساورنا القلق على أمر ما نرجو تحقيقه؛ ثم يأتي بأفضل مما تمنينا، وكم هي المرات التي تعلمنا فيها العبرة والدرس مما تعرضنا له لكن بعد أن أنهكنا القلق فندرك حينها «أن الأمر لم يكن أبداً يستحق».

القلق شعور إنساني وفطرة لا فكاك منها، لكن يمكن تهذيبه والحد من آثاره النفسية السيئة على الحاضر الذي قد يمر ويصبح ماضياً في حياة كثيرين منا دون أن يُعاش لكثرة ما قلقنا على غد لم يأتِ بعد.

القلق الزائد يورث المرض ويُضيق الحياة من حولنا على رحابتها واتساعها، ويحول بيننا وبين ما في أيادينا من نعم، وهو خوف لا يليق بحسن الظن بالله والتفاؤل بأن «أجمل أيامنا تلك التي لم نعشها بعد».

إن أفضل ما نهديه لأنفسنا تعويدها التسليم والرضا وانتظار الخير مع كل صباح جديد، وليكتب كل منا على صفحة أيامه ما يريد أن يكون عليه شكل حياته في الحاضر والغد، فكل متوقعٍ آتٍ.

أفضل ما نهديه لأنفسنا تعويدها التسليم والرضا وانتظار الخير مع كل صباح جديد، وليكتب كل منا على صفحة أيامه ما يريد أن يكون عليه شكل حياته في الحاضر والغد، فكل متوقعٍ آتٍ.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة