مهاوشات تويترية

خلال الأيام الماضية أُثيرت مناوشات تويترية كانت حادة بعض الشيء، وهذا ليس بغريب على «تويتر» وتغريداته ومستخدميه، ولكن ما هو غريب أن نجد هذه المناوشات من قبل مواطنينا ووصول البعض منهم إلى التجريح واستخدام أساليب فيها من تقليل الاحترام والتنمّر الكثير، في حين أن الطرح الذي بُنيت حوله هذه الاختلافات والخلافات أمور عادية نناقشها في مجالسنا وجلساتنا، ولم تكن يوماً موضوعاً جدلياً يثير حفيظة البعض تجاهه.

طرح أحد الإخوة موضوع الراتب الأمثل لكفاية عائلة مواطنة وانهالت عليه التعليقات غير اللائقة والجارحة، ووصل الحد لأن يقول الكثيرون باستنكار المبلغ الذي ذكره الأخ واعتبروا أنه لا يفهم طبيعة حياة المواطنين، والغريب في الأمر أن البعض أخذ الموضوع بشكل شخصي وكأن هذا الطرح مسّ شيئاً بداخله، وقد قام آخر بتوضيح مفهوم الوطنية وربطها بتاريخ الأجداد ممّن ماتوا على هذه الأرض، لتنهال عليه السخرية والتعليقات المتنمّرة لشخصه ولطرحه رغم أنه كان يعبّر عن فكرة، ومن حق البعض الاختلاف معها لكن ليس بهذه الطريقة.

لست ضد أي مناقشات في أي مكان، ولست ضد الاختلاف، بل على العكس يجب أن يكون الاختلاف حاضراً في كل مكان وفي كل الأمور، ولكن ما أستنكره هي الطريقة التي يتناول فيها البعض الأمور، وما أستغربه هي قلة الأدب في الرد والتعليق، وصحيح أن هذا ليس بغريب عن وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الغريب أن نجده في مجتمعنا الإماراتي، فبمثل هذه التصرفات نهيئ لجيل لا يحترم كبيرنا ولا مثقفنا ولا حتى عالمنا، نحن بذلك نؤسس لسفاهة مجتمعية قد تكون مضرةً وبشدة في قادم الأيام.

من حق الجميع الطرح، ومن حق الجميع رفض هذا الطرح، ومن حقهم الرد عليه، لكن يجب أن تكون اللغة موزونة، يجب أن يكون الأسلوب مناسباً للرد، وأن يتسم باللباقة وحسن الكلام، وأن لا يحمل في طياته أي مزايدات فيها، فكلنا مواطنون نحب هذا الوطن ونعيش ونأكل من خيره، ولا فضل لأحدنا في وطنيته إلا ممّن يخلص لهذا الوطن ويعطيه بإنجازاته، أما غير ذلك فلا يحق لأي أحد المزايدة في الوطنية مادام الطرح اجتماعياً يحمل وجهة نظر صاحبه، وتلك النظرة تحمل الصواب والخطأ.

والمصيبة الأكبر ليس في تلك الردود عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما بنهش اللحم داخل القروبات الخاصة والعامة، فما إن يتم إثارة موضوع وتختلف معه المجموعة حتى تجدهم ينهشون بلحم صاحب الفكرة أو الطرح، فلا يبقوا له ستراً مغطى، بل ينبشون له حياته وأصله وفصله، ويخالفونه لمجرد الاختلاف، ولا نجد إلا قلةً قليلةً ممن يتناولون الموضوع بنقاش مثمر قد يصل إلى فكرة شاملة عن الطرح وتصويب أوضاع وأحوال المجتمع.

الأفكار مهما كانت هي أفكار نختلف أو نتفق معها، والآراء تبقى آراءً مهما كان تأثيرها، ومن حق الجميع أن يكون له موقفه تجاه أي طرح، لكن ليس من حق أي شخص أن يتعدى حدوده في تصنيف الأشخاص أو التنمّر عليهم وعلى أطروحاتهم، ونحن كمجتمع إماراتي نرفض مثل هذه التصرفات ولا أزايد على أحد فيكم بوطنيتي أو بأخلاقي إنما أدعو الجميع إلى أن يتحلوا بالأخلاق، فلا تعرف متى يأتي دورك وتجلس تحت السكين، حينها سيتذكرون لك كل أفعالك خيرها وشرها.

وأدعو الإخوة المثقفين والذين نتسم فيهم خيراً بأن لا يستغلوا الترند الصاعد ويطبلوا معه، فالسمك الميت هو الذي يروح ويجيء مع رياح البحر، لكن تذكر متى ما قذفه البحر خارجه انبعثت رائحته النتنة ولا يمكن حتى مضغه لسوء طعمه.

‏وكعادتي دعوني أذكركم بالموقف القانوني من مجريات هذه الأحداث، فالقانون صارمٌ وواضحٌ في ما يتعلق بما سردته آنفاً واستعرضته من خلال الطرح، ولكن ما يجب الانتباه له هو أن هناك خرقاً للمنظومة الاقتصادية للدولة التي اختارت وحددت رواتب الموظفين التابعين لوزاراتها وإداراتها، وبالتالي فوفقاً لقانون الشائعات والجرائم الإلكترونية فإنها تجرّم كل فعلٍ يمسّ اقتصاد الدولة أو يشكك في قدراتها المالية وأوضاع مواطنيها، وتُعد العقوبة مغلظةً في مثل هذه الحالات، لذلك كان واجباً علينا الانتباه جميعاً من أن لا نجري خلف ما يستعرض به البعض عضلاته وبطولاته، لأنه قد تجرنا مثل هذه المساجلات إلى التأثيم والعقوبات المشددة.

• طرح أحد الإخوة موضوع الراتب الأمثل لكفاية عائلة مواطنة، وانهالت عليه التعليقات غير اللائقة والجارحة.

twitter.com/dryalsharif

www.ysalc.ae

محامٍ وكاتب إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة