آيتا الإسراء والمعراج

من آيات الله الباهرة، ومعجزات نبيّه سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلّم، الظاهرة؛ آيتا الإسراء والمعراج اللتان اختُص بهما نبيُّ الهدى، وخليل الرحمن سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، أيّد الله بهما رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتكون آيةُ الإسراء مظهرةً حجَّته على قومه من أنه رسول ربه سبحانه، يبلغهم مراده من عباده، حتى يخرجوا من ظلمات الشرك والوثنية إلى نور الإسلام، ولتكون آية المعراج تتويجاً لهذا النبي العظيم بتاج القرب، وكشف حجب الغائبات التي يدعو قومه للإيمان بها، حتى تكون دعوته لما رأى من آيات ربه الكبرى بحق اليقين وعينه، وها هي أمته تعيش في ظلالهما عزاً وكرامة، كاعتزازها بالإسلام والإيمان، وشرف محبته، والاقتداء به عليه الصلاة والسلام.

لقد كانت هاتان الآيتان العظيمتان مؤيدتين لنبي الله عليه الصلاة والسلام في وقت كانت المآسي قد أحدقت به؛ من موت عمه الحاني عليه، الناصر له، وزوجه الصادقة معه، المواسية له بنفسها ومالها، فكان لموتهما أعظم أثر الأسى على قلبه بحكم طبيعته البشرية، فأكرمه الله تعالى بهاتين الآيتين العظيمتين وما انطوتا عليه من الآيات الكبرى، سلواناً لما أصابه من الأسى، وتأييداً له بأن الله تعالى لن يضيعه أو يسلِمه لعدو، وأنه ناصره ومظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.

ولعِظم هاتين الآيتين فإن الله تعالى خصَّهما بالذكر في مسطور كتابه المبين، فقال عن الإسراء ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، لتفيد الآية الكريمة أن الإسراء كان بفعل الله تعالى لا اختيار لنبيه فيه، وأن الغرض من ذلك هو أن يرى بعينه الباصرة ما شاء الله تعالى أن يريه من آيات الغيب التي كان يعلمها خبراً، فيراها نظراً، ويحدث بها واقعاً.

وقال عن المعراج ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ الآيات1- 18 من سورة النجم، وهذا التكريم لم ينله أحد من عباد الله تعالى قبله، لا نبيٌّ مرسل ولا ملَك مقرب، التكريم الذي رفعه الله تعالى فيه إلى حضرة قدسه سبحانه، إلى سدرة المنتهى، حيث يسمع صريف أقلام القدرة، إلى مقام المناجاة كفاحاً، فيريه ربه جلّ شأنه مكنونات غيبه الذي كان يوحي بها إليه، ويكشف له حجب سُرادقاته العليا ليرى من آيات ربه الكبرى، ليكون هذا الاصطفاء والتكريم مُشعراً له بمنزلته العظيمة عنده سبحانه، كيف لا وهو الذي ختَم به المرسلين والرسالات، وفضَّله على رسله تفضيلاً عظيماً! ولذلك جمع له أنبياءه ورسله في مراحل انتقالاته في المسجد الأقصى وفي السماوات العلى، فرحبوا به أيَّما ترحيب، وهنؤوه على ما ناله من عظيم التكريم.

إن هذه الآيات التي أيد الله تعالى بها حبيبه الأعظم سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، هي آياتٌ باهرةٌ عُرِف بها قدره العظيم بين الأنبياء والمرسلين، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾، والذي رفعه الله درجات هو نبينا الذي رفعه الله تعالى إلى هذه المقامات، وهي رفعة لشريعته، وأمته من بعده.

وأيًّا ما كان تاريخ هذه الآيات الكبرى لكون الشارع لم يحددها على وجه الدقة؛ لأن القصد من ذكرها هو بيان منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام عند ربه، ولا يترتب على ذكر الزمان كبير فائدة؛ إلا أن القول الشائع الذائع الذي ذهب إليه الكثير من الإخباريين أنها كانت في هذا الشهر الحرام، وفي 27 منه.

فإذا ما جاء هذا التاريخ فإنه يجدد في نفس المسلم المحب بالغ التعزير والتوقير لصاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام، ويجدد فيه معاني الاغتباط بالانتساب إليه، ويهيّج كامن المحبة البالغة له، ويحمل النفس على المتابعة له، لهذا نجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا يفوِّتون هذه الذكرى العظيمة، بإذكاء المشاعر نحو نبيهم المجتبى، عليه الصلاة والسلام، ويرون أنهم محظيون باتباعه، كما كان عليه الصلاة والسلام يقول: «أنا حظكم من الأنبياء، وأنتم حظي من الأمم».

اللهم أحينا على سنّته، وأمتنا على ملَّته، واحشرنا في زمرته وتحت لوائه.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة