مساحة حرة

مَن سيخسر المليون؟

فيصل محمد الشمري

قد يستغرب البعض حين يعلم أن العديد من القنوات التلفزيونية العاملة لدينا، والممولة حكومياً، لايزال المواطن يجهل كيف يمكن أن يطرق أبوابها، وقد يُصدم حين يعلم أن من يترأس لجان اختيار الإعلاميين ومذيعي ومذيعات المستقبل وأكاديميات التدريب هم من جماعة «من سيخسر المليون»!

إلى متى ستبقى مؤشرات التوطين في قنواتنا التلفزيونية غير مرصودة؟ ومتى سنبدأ توطين أبسط وظيفة في صناعة المحتوى والإعلام.. ألا وهي وظيفة «المذيع»؟.

بالتأكيد، يجب على المذيع أن يكون مثقفاً وصاحب بداهة وذكاء، وذا قدرات لغوية ومهارات لفظية، وفطنة، ومهارات إدارة الحوار، لكن ذلك لا يعتبر بصعوبة تأهيل مهندسين، ورواد فضاء، أوصلونا إلى المريخ، أو عالم ذرة، أو مهندس تشغيل مفاعل نووي، وهي وظائف استطعنا تحقيق نجاحات ملموسة وفريدة بتوطينها على مستوى المنطقة.

لا لشيء، إلا لأننا اكتفينا بصناعة وتسويق مشاهير يعرضون محتوى هابطاً لا يليق بسمعة الخليج وأبنائه، وكذلك اكتفينا بدعم ورعاية طابور إعلامي خامس، متى ما اكتفى من ربح الملايين، عاد وعضّ اليد التي امتدت إليه بالرعاية والحنوّ، بعد معاملته كابن بار وأخ شقيق، مصداقاً لقول عربي شهير: «ما حك جلدك مثل ظفرك»، وكذلك «اصنع المعروف في أهله»، فنحن لا ندعو إلى مقاطعة أو عقوبات اقتصادية، فمن تحدث وأساء في نشاز، لا يمت للإعلام ولا للسياسة بصلة، فهو خارج السرب.

إن غالبية الأشقاء العرب يدركون أهمية التكامل الاقتصادي والتنموي، خصوصاً في صناعة المحتوى الإعلامي، لكن ما يتكرر من خيانات ورسائل ملغومة، تدفعنا للمطالبة بأن نركز على سفراء وممثلين ونجوم إعلاميين خليجيين. ونذكر أننا لم ولن نسمع أو نرى مذيعاً خليجياً يتحدث أو يقدم برامج في قنوات خاصة أو عامة لديهم، لأننا بدو؟ أو ربما لأنه لو تجرّأ وتحدث تلميحاً عن التنظيمات التخريبية إياها، لعاد إلينا على نقالة في أحسن الظروف، فهذه تنظيمات يقودها أفراد خطفوا طائرات، وقتلوا ودعموا زعزعة أمن الخليج.

وفي هذا السياق، أذكر موقفاً نبيلاً يبين الفارق، وحدث في أحد البرامج التي تعرضها قنواتنا المحلية، حين وقف ممثل كوميدي خليجي، حداداً على شهدائنا، طالباً الوقوف احتراماً لهم، وتعزية لأسرهم ولوطنهم، في مبادرة نبيلة عكست حسه الوطني الخليجي، لم نشهد لها مثيلاً من بقية النجوم العرب الذين أسهمت في صناعتهم الآلات الإعلامية الخليجية.

إن تكرار الخيانات الإعلامية يدفعنا للسؤال عن مبررات حصر أكبر برامج مسابقاتنا وأعلاها تمويلاً ورعايات، لا نراها سوى إن كان المذيع غير خليجي حصراً! وهل لوجود الشركات الإعلامية والإعلانية برئاسة الجنسية ذاتها، سبب لهذه العنصرية والاحتكار؟.

اقتبس هنا مقولة أحد الأخوة الإعلاميين المواطنين: «شبابنا أولى بالفرص، وبدعوات الاستضافة والتكريم، ولا يقلون موهبة عن غيرهم، فيجب أن نبحث عن المميزين منهم، وأن ننشغل بالعمل الإعلامي بعيداً عن الوساطات والمجاملات والوجوه الجميلة و(الكرافتات)».

لنتعظ من تمويل الـ«One Man Show» المبني على شخصيات إعلامية زدنا شهرتها واستثمرنا فيها، ليحققوا الملايين عبر دعايات لم يكونوا ليتحصلوا عليها لولا استثمارنا فيهم وفي برامجهم الملايين، ليتوجوا مسيرتهم بعضّ اليد التي رعتهم لمكاسب سياسية رخيصة ومؤقتة، تتمثل بكرسي وزاري، وبمباركة من «ميليشيا» إرهابية، فلو كان المذيع نزيهاً، لما نما له جلد أفعى، ولما تلوّن كما الحرباء.

لنبقِ من إخوتنا الإعلاميين من كان للود حافظاً، وللنزاهة راعياً، وللمواثيق الإعلامية مراعياً، ولنترك «من سيخسر الملايين» برعاية منتجي الحبوب المخدرة، ومصدري «الكبتاغون».

إن وصفة نجاح المعني في النسخة العربية من البرنامج الشهير، تمثلت في الدراما، ويبدو أنه نقل ركيزة نجاحه من البرنامج الشهير إلى رسالته الإعلامية والسياسية.. رجل الدراما، وكمذيع تقدر ثروته بـ20 مليون دولار، ولا ندري إن كانت ضمن الدولارات غير القابلة للسحب في بنوك وطنه كبقية أبناء شعب البلد الشقيق، أم هو من المرفوع عنهم القلم لولائهم المباح.

والسؤال المهم، بعد عمله في قناة خليجية التمويل: ما سبب تركه لها في 2004 بعد عمل استمر عقداً من الزمان؟ ولماذا تمت إعادة التعاقد معه مرة أخرى عام 2005 في القناة ذاتها؟ ألا يوجد في هذا البلد إلا هذا الولد؟!

إن مسيرته الإعلامية تبين حجم سيطرة البعض على اتخاذ القرار والمحسوبية غير المساءلة لفئات وميول معينة، وليس سراً أن تركه العمل في عام 2011 يعود إلى تصريحات غير مسؤولة تخالف توجهات سياسية للقناة الخليجية، ورغم ذلك حافظ على مكانته، حتى سقطته الأخيرة.

وأقتبس من كلمات إحدى الفنانات ما قالته عن «جهله بالشأن اللبناني.. فما بالك بالشأن اليمني؟»، وما قاله أحد أصحاب المعالي: «ليته استعان بصديق، ولا أمسى مسخرة إعلامية، كان صرحاً إعلامياً فهوى... لما اتبع الهوى».. وخسر المليون.

ليكن سفراء إذاعاتنا وقنواتنا التلفزيونية من الإعلاميين المواطنين، وأيضاً من الأخوة والأخوات العرب النجوم واضحي التوجه والرسالة، بعيداً عن المكاسب السياسية الرخيصة.

مستشار إداري داخلي وتحول رقمي وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر