نحو قطاع صحي مدفوع بالتعلم

استلهمتُ فكرة المقال من حوار مع الصديق والزميل الدكتور عادل صادق، وهو مرجعية دولية في مجال الصناعات الدوائية والتعلم المستمر، منذ ظهور وباء «كوفيد» بدأ الكثير من الدول والمؤسسات في الالتفات إلى أهمية الاستثمار في البشر، وفي بناء قدراتهم للتعامل مع التحديات الجديدة التي تمر بها المؤسسات وكل القطاعات، سواء الصناعية أو الخدمية أو مؤسسات النفع العام، ومن أكثر القطاعات المتأثرة بالتوجهات الجديدة، التي يشكل التعلم المؤسسي عموداً أساسياً في بنائها، هو القطاع الصحي بكل فروعه، سواء العلاجي أو الدوائي، أو القطاع الفني المتعلق بالمعدات الطبية والمختبرات ومراكز الأبحاث، إضافة إلى أهم قطاع فرعي وهو التعلم المستمر، ورفع كفاءة العاملين في هذا القطاع الحيوي الذي يؤثر تأثيراً مباشراً في حياة البشر في كل بقاع الأرض.

يعد التعلم المستمر أحد فروع التعلم المؤسسي والتعلم مدى الحياة، وبالنظر لكم الأخطاء المخيف في المجال الطبي والدوائي، كان لابد من الاهتمام برفع كفاءة العاملين بهذا القطاع وتطوير مهاراتهم بصفة مستمرة، حيث إن هناك الجديد كل يوم، لقد انتبهت شركات الأدوية لأهمية الاستثمار في البحث والتعلم، الذي جاء بمردود مُجزٍ جداً أكثر مما كانت تتمنى تلك الشركات، فالشركات الرائدة، مثل «فايزر» و«أسترازينيكا»، استطاعت فرض اسمها في مختلف دول العالم، كما أن بعض الشركات المحلية تمكنت أيضاً من اللحاق بالركب.

من ناحية أخرى، فالمؤسسات الصحية التي سارعت إلى التحول الرقمي والاستفادة مما تقدمه التقنيات الحديثة، مثل تعلم الآلة والذكاء الصناعي والطب الرقمي والروبوتات، سيكون لها السبق دائماً، وستقدم قيمة مضافة للمريض والمجتمع، كما ستتمكن تلك المؤسسات من تحقيق أهدافها الاستراتيجية عندما تصبح مدفوعة بالتعلم.

تحتاج المؤسسات التعليمية الطبية أيضاً فتح الصندوق وفهم ما يجري في هذا القطاع الحيوي، فهناك تخصصات ستبدأ في الاختفاء نتيجة لاختفاء بعض الأمراض، أو الوصول لعلاج ناجع لتلك الأمراض، وأتذكر كيف أن مرضاً مثل البلهارسيا أدى إلى وفاة الآلاف وربما الملايين، لكن ذلك أصبح من التاريخ الآن بعد الوصول لعلاج له، وكذلك الالتهاب الكبدي قارب أن يختفي أيضاً.

كما ظهرت أمراض جديدة وأوبئة جديدة، وبالتالي لابد أن يكون قطاع التعليم الطبي والتعليم الدوائي مرناً ورشيقاً ليواكب التطورات المتسارعة، فكليات ومعاهد الطب والتمريض والمعاهد الفنية بحاجة إلى مراجعة مناهجها، وإدخال مناهج ومساقات جديدة تأخذ في الاعتبار معايير الجودة والاعتماد، وكذلك التحول الرقمي وآلياته، وكذلك التعلم المؤسسي الذي يتخطى حدود التدريب التقليدي إلى التعلم من الأخطاء ومن تجارب الآخرين، وكذلك التعلم من المرضى والمتعاملين وتحليل شكاواهم وآرائهم، وأيضاً التعلم من الموظفين من خلال منظومة الاقتراحات التي تعد المحرك الدافع للابتكار والإبداع.

إن ممارسات سهلة وعملية، مثل التدبر والمراجعات اللاحقة والتوجيه، من شأنها رفع الكفاءة والفاعلية المؤسسية 180 درجة، وهناك الكثير من قصص النجاح وأيضاً قصص الفشل ويمكن التعلم من الجانبين. إن الاهتمام برفع كفاءة العاملين في القطاع الصحي ليس ترفاً لكنه مسؤولية ومتطلب أساسي من متطلبات الحياة الكريمة.

• ظهرت أمراض جديدة وأوبئة جديدة، وبالتالي لابد أن يكون قطاع التعليم الطبي والتعليم الدوائي مرناً ورشيقاً ليواكب التطورات المتسارعة.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة