الإرث الرياضي

فيصل محمد الشمري

‏قد يظن البعض أن ما نتحدث عنه هو التاريخ الرياضي الذي يتركه أحد اللاعبين من إنجازات وبطولات ونتائج، تخلد ذكراه بين جماهيره وجماهير ناديه، لكن المقال عن قيام بعض المنتسبين للرياضة، ‏أو المنتفعين منها، ‏بتوريث مناصبهم وكراسيهم في بعض الأندية لذوي القربى، وكأنها ورث مادي تنتقل حيازته بين أفراد العائلة، إذ نلاحظ أن بعض الأسماء تتواتر وتتكرر رغم عدم انتماء أي من أفراد هذه العائلات لأي نشاط رياضي حقيقي، بل وقد يصل الأمر إلى أن بعضهم لم يلمس الكرة في حياته أو يمارس الرياضة، أو حتى يرتاد مضمار الرياضة، ولو على سبيل النزهة.

‏وجلّ ما يعرفه عن الرياضة هو مشاهدة على شاشة التلفاز، أو حضوره إلى مباني النادي الذي ينتسب إليه، لتحصيل امتيازات أو منافع من علاقات خاصة تخدمه بها وظيفته العامة كإداري. ‏ولنتفاجأ إن فاز ناد ما في بطولة، بتصدر قائمة المكرمين، بعض المنتفعين قبل أسماء اللاعبين والرياضيين الذين بذلوا من الجهد والإصابات والدماء (إن كان بعضهم قد تعرض لإصابات استدعت تدخلاً جراحياً).

ونحن هنا لا ننتقص أهمية الجانب الإداري في نجاح المنظومة الرياضية، لكن هذا القطاع يتطلب التخصص والاحتراف والمهنية، بعيداً عن الشللية، لتطبيق الاحترافية الحقيقية، وتمييز أهمية الإدراك العميق المتكامل، بالتزامن مع التحصيل العلمي والكم المعرفي اللازم ‏لدعم التطور الرياضي، وصولاً إلى تحقيق الأهداف والطموحات المرجوّة.

‏إن بقاء ضبابية تعريف الإداري الرياضي المحترف، ودون اشتراطات حقيقية تمكن من تحقيق النهج الاحترافي في هذا القطاع الرياضي المهم، ‏سيؤدي إلى استمرار تكرار أخطاء الماضي، ‏وانعدام النتائج، فالرياضة بيئة تكاملية تتفاعل بكل مكوناتها، وسيسهم هذا الخلل في استمرار العزوف الظاهر لنجوم الرياضة المعتزلين عن التوجه الاحترافي، سواء كمدربين أو إداريين، ‏فكم من أعضاء منتخبنا الوطني الذي أوصلنا إلى روما لا يزال على اتصال بالقطاع الرياضي، كمدرب أو إداري، أو حتى معلق رياضي؟.

‏لماذا يستمر العزوف، خصوصاً من أصحاب الإنجازات الرياضية؟. ‏في رياضة «البولينج» مثلاً، حققنا بطولة العالم مرات عدة، أين أصبح ابن الوطن الذي حقق ذلك؟، ‏ما علاقته باتحاد اللعبة أو الأندية التي تدعم هذه الرياضة؟.

وفي «الرماية»، لدينا من النجوم ما قد يسهم في أن تبقى الإمارات أرضاً ولاّدة لأبطال هذه اللعبة لعقود مقبلة، بل ويستطيعون نقل احترافية هذه اللعبة إلى دول أخرى. أين أصبح رماتنا؟، وما هي مشاركاتهم وإسهاماتهم مع اتحاد اللعبة أو الهيئة العامة للرياضة في مجال تشكيل وتنشئة الأبطال الجدد لاستدامة البطولات والنتائج باسم الدولة؟.

‏إن وضع منهجية و سياسات رياضية تحافظ على الخبرات المتراكمة والمعرفة الضمنية لهؤلاء الأبطال الرياضيين الذين حققوا نتائج ملموسة وغير مسبوقة، بوابة لضمان تكرار قصص النجاح، وهو دور منوط بالهيئة العامة للشباب والرياضة، كما أن ‏اتاحة الفرصة لاختيار أو انتخاب الرياضيين السابقين من ذوي البصمات التاريخية في سجل الإمارات الرياضي، أمر حتمي لتمكين نهضة رياضية توازي النهضة الحضارية الانسانية العمرانية التقنية الشاملة وغير المسبوقة.

وهذا التوجه لن يكون الحل الناجع والبديل عن الحلول المؤقتة كتجنيس بعض الرياضيين هنا أو هناك، كما أن تبني تطبيقات أحدث ما توصلت إليه التقنيات الثورية والناشئة (مثل تحليل البيانات الرياضية الاحصائية، والتنبوء الرياضي، أسوة بما قامت به بعض الأندية والفرق العالمية، وكذلك استخدام تقنيات إنترنت الاشياء والذكاء الاصطناعي)، لتعزيز الممارسات الاحترافية، وتحليل القدرات والمهارات، وقياس مؤشرات اللياقة البدنية، وتعزيز خفض الاصابات الرياضية، لن يتحقق دون مشاركة الرياضيين السابقين الذين تمرسوا على أساسات الاحتراف الرياضي، وتعلموا من أخطائهم أو أخطاء زملائهم.

ولذلك، يجب أن نركز على التخصص، فاللاعب الذي أفنى عمره يمارس اللعبة، أدرى بها من شخص لا يعرف أبسط قواعد اللعبة، «فأهل مكة أدرى بشعابها»، كما سيكون لهذا التوجه الأثر الأكبر في تحقيق أرقام ونتائج تلبي طموحات القيادة، وتعزز الإرث الرياضي الحقيقي. وكما قيل قديماً: «أعط الخبز لخبازه لو أكل نصه»، فالرياضة بواقع اليوم، وبلغة الأرقام، ليست صناعة كما نتابع في دول أخرى، ولا نراها عندنا إلا سبباً لنزيف مالي وخسائر طائلة، ولنبقي توارث المناصب الإدارية الرياضية بعيد عن أنديتنا، وليكن مسعانا نجاح الاحتراف الرياضي، وتحقيق النتائج المرجوة، وليصبح «الإرث الرياضي» بإنجازات الرياضيين وبطولاتهم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر