مساحة حرة

تأبط شراً

فيصل محمد الشمري

تأبط شرّاً.. شاعر عداء جاهلي من الصعاليك واسمه ثابت بن جابر، من أهل تهامة بالحجاز. وقيل عنه أنه «إذا جاع لم تقم له قائمة فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه ثم يشويه فيأكله. ويكاد لا يرى لشدة سرعته»، وقصيدته مفضليّة تأبَّط شراً تصف حياة الصعلوك ومغامراته وثباته على مبادئه.
امتهن الصعاليك غزو القبائل بقصد الأخذ من الأغنياء وإعطاء المنبوذين أو الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى، ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة اقتبس الأدب الغربي منها قصص (روبن هود) وغيره، عن محاربة الفقر والاضطهاد والتمرد ومساعي التحرر من الظلم.
هذه القصص قد يشبهها البعض بشكاوى التوطين في البث المباشر وقنوات التواصل الاجتماعي، فانتقاد أو انتقاص دعاة التوطين أصبح أشبه بحرب غير معلنة عليهم، فمن ينتقد سلوكيات شاذة في مصارف أو شركات شبه حكومية أصبح يغرد خارج السرب، أو الابن الضال الذي يستحق العقاب أو التقويم، وأحياناً يطلبون المحامين لرفع قضايا تشهير أو التهديد بها. وحين يتكلم أحدهم في مصرف ما عن انعدام التنوع الثقافي وسيطرة جنسية ما على قطاع مصرفي ما نجد أن هذا المواطن «وربعه»، سيواجهون الإقالة، وعند دمج أي بنكين أو أكثر نجدها في رأس قائمة «التفنيش». ولم نرَ أي جهة تسجل هذه القوائم وتتابع مساءلة الجهات التي أقالتهم، أو حدت من تعيين أجانب جدد قادمين من شبه قارة ما، وبطرق عديدة منها (التعهيد) أو العقود الاستشارية برواتب قد يبررها إذا كان هذا الشخص قد ترأس سابقاً دولة عظمى، أو قد تتلمذ على يد اينشتاين أو روتشيلد!
إن التحول الرقمي المصرفي بدأ يشبه ما حمله «الشنفري» وتأبط شراً، لأهلهم من ويلات وصراعات دفعتهم للتبرؤ منهم دفعاً لمخاطر الصراع مع قبائل أخرى، رغم نبل مساعيهم في إعطاء الفقراء أو دفع المظالم أو حتى الثأر والانتقام، فالتحول الرقمي يتأبط (تعهيد) عابراً للقارات والحدود ومراكز خدمة واتصال افتراضية بعيدة وتقع في دول أخرى، فإما أن تحدث معايير التوطين لتبتعد عن نسب الموظفين التقليدية وتتحول لقيم مبنية على الرسوم والمداخيل والأرباح، أو تعاد دراسة آليات الترخيص البنكي والرسوم مع توجه العديد من البنوك لتقليص النفقات بإغلاق فروعها وتحويلها لمراكز افتراضية.
كما أن دراسة أثر التحول الرقمي على وظائف المواطنين ونموها في هذا القطاع الحيوي وتنميته وتبني مفاهيم وظائف المستقبل وتطوير قدرات المواطنين وتجهيزهم لهذه التحديات مطلب حيوي وملف مهم يجب أن تتولاه جهة ما و(تحوكم) مؤشراتها وأداءها، كما أن تدخل الجهات المحلية المعنية بالترخيص التجاري أصبح أمراً لا مفر منه، وتشكيل «مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية في دبي» بهدف جعل الإماراتيين الخيار المفضل للتوظيف في القطاع الخاص مع توسيع مهام «دائرة الموارد البشرية» لتشمل وضع الاستراتيجيات الكفيلة برفع معدلات التوطين، بالتزامن مع صقل «هيئة المعرفة»، لمخرجات التعليم والتأهيل والتدريب وربط مؤسسات التعليم بسوق العمل، يعكس منظومة متكاملة عملية وواقعية (براغماتية) لحل معضلة مركبة وملف (محروق) وصعب، وابتعاد عن إسقاط التوطين على معارض لجمع السير الذاتية ثم رميها، أو منصات رقمية للتسجيل دون تعيين (من لا واسطة له).
نأمل أن يتوسع نطاق العمل ليشمل حوكمة شكاوى المقالين أو المجبرين على الاستقالة من المواطنين خصوصاً في الشركات الكبرى (المساهمة العامة أو شبه الحكومية) مع تنسيق مع الهيئات المعنية بتنظيم هذه الشركات ومخالفتها أو محاسبة مجالس إداراتها، ومثال ذلك ما تردد عن إقالة عشرات المواطنات بالتزامن مع يوم المرأة الإماراتية، من إحدى الشركات بحجة إعادة الهيكلة، وبعد بضعة شهور فقط من زيادة راتب الرئيس التنفيذي بعشرات الآلاف، الأمر الذي، إن ثبت، يتطلب مساءلة وحوكمة حقيقية لما فيه صالح الوطن وشفافية الاقتصاد.
ونأمل أن تحذو بقية الجهات المحلية وتُشكل لجان أو مجالس تضم أبطالاً حقيقيين يهتمون بالتوطين دون صخب إعلامي وبيانات وأرقام لا تعكس الواقع.
أما بالنسبة للتقنيات المالية، فيجب ألا تترك لتتأبط شراً لا خير فيه، بل يجب أن يتم التدخل المبكر وتوضع الأمور في نصابها، قبل ظهور حلول مالية عابرة للقارات في تطبيقات التواصل الاجتماعي بقدرات وخصائص محافظ ومدفوعات رقمية، معززة بتحليل مسبق لسلوكيات وأنماط الاستهلاك، أو حتى بنوك دولية مدعومة من امبراطوريات تقنية مثل «أمازون» و«فيس بوك» وغيرهما. حينها لن يبقى تأبط شراً محلياً يمكن معالجته، بل سيكون منظومة عالمية لا تستطيع الدول مواجهتها منفردة، ولنا في مسح أستراليا من الخريطة الرقمية لـ«فيس بوك» بسبب مشروع قانون، عظة وعبرة.
• دراسة أثر التحول الرقمي على وظائف المواطنين مطلب حيوي.
مستشار تحول رقمي وخبير ومقيم تميّز معتمد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر