مساحة حرة

الإقامة الذهبية

فيصل محمد الشمري

يطلق على بعضهم ملائكة الرحمة، والبعض أسماهم جنود الإنسانية.. إن إنجازات الكادر الطبي تتحدث عن نفسها، فهم أهم ركائز خطوط الاستجابة الأولى لجائحة COVID-19، ‏وتكريم ‏القيادة المقدر بمنح الأطباء حق وامتياز الإقامة الذهبية يعكس حجم التقدير المستحق لإنجازاتهم.

فتضحيات الكادر الطبي لا تقدر بثمن، وهو ما أثبتته ‏عودة بعض مستجيبي خط الدفاع الأول للعمل الميداني وتضحيتهم بسلامتهم وصحتهم رغم تكرار إصابتهم بالفيروس، وكذلك ضغوط العمل المتواصلة وتضحياتهم المستمرة، براحتهم وأوقاتهم مع أسرهم وصحتهم وأحياناً بحياتهم.

فمعظمنا شاهد فيديو الأب الطبيب، في دولة شقيقة، الذي دمعت عيناه وهو يمنع طفله من احتضانه وأدمعنا معه، وسمعنا عما وصلت إليه بعض الكوادر الطبية من إرهاق نتيجة الحاجة للعمل المستمر.

إن هذا التكريم المستحق يدفعنا لاقتراح شمول بقية القطاعات الطبية وفرق الاستجابة الأولية بهذا التقدير المستحق، عبر منظومة تقاس بإسهاماتهم الاستثنائية أو خطر الإصابة أو غيرها، من البيانات الطبية أو ساعات العمل أو المخاطر.

كما يدفعنا للتأكيد على أهمية أن تقوم الجهات المعنية بالموارد البشرية والميزانيات بالنظر في صرف بدلات الخطر والمناوبات وبدلات ساعات العمل الإضافية وزيادتها، بما يتناسب مع مخاطر العمل الطبي الاستثنائية أثناء الجائحة، وإعادة تقييم قيمة التأمين الطبي المستحق لضمان مستقبل أسرهم.

ورغم قلة حالات الوفيات لدينا، فإن بعضها كان من أبطال الخطوط الأمامية في معركة الإنسانية ضد هذا الوباء، فلا يجوز أن يقتصر دور الجهات الإدارية على الخصم والترقية وإنهاء الخدمات والتقاعد، بل يجب أن يشمل أيضاً تقدير الجهود والإنجاز ومواجهة التحديات والمخاطر، ووضع ما يناسبها من تقدير ‏خاصة أثناء الظروف الاستثنائية كالأزمات والكوارث، فهذه الجائحة كارثة عالمية صحية واقتصادية.

الكادر الطبي المقيم عصب رئيس في المنظومة الطبية، ورغم محدودية الكادر الوطني، فإن بصماتهم ملموسة ونؤكد على أهمية تقديرهم، ونرى أن يتم دراسة ‏ممكنات تحفيز وتكريم الكادر الوطني بصورة موازية ومماثلة للتقدير المستحق الذي ناله إخوتنا من الكادر الطبي المقيم.

‏كما نأمل أن يتم الاستفادة مما تم في دائرة الصحة بأبوظبي، وهيئة الصحة بدبي، حيث تم تمكين الكفاءات القيادية الإدارية، التي تترأس إدارة عصبين ‏حيويين مهمين في القطاع الطبي، باختيار أطباء مواطنين ليكونوا وكيل دائرة، وآخر نائباً لمدير عام، بما يدل على تقدير القيادة للتخصص والكفاءات الوطنية، ‏ودعم الكفاءات القيادية الإدارية المتميزة التي تترأس السلم الوظيفي بخبرات متميزة وتمكينها بالعنصر المناسب من ذوي الخبرات الطبية التخصصية، لتكون يدهم اليمنى والداعم لهم قيادياً، لتتكامل القدرات والمهارات القيادية مع المعرفة الطبية التخصصية.

كما يدفعنا لاقتراح تطوير مسار وظيفي طبي تخصصي للكادر الطبي المواطن، يواكبه درجات مالية وفنية وبرامج تدريبية مستمرة للتطوير ضمن خطط المسار الوظيفي.

إن تغيير بعض المناصب أمر حيوي، مع الدفع بدماء جديدة من القيادات الوطنية التي أثبتت كفاءتها وكسبت ثقة المجتمع، سواء عبر مشاركاتهم في قنوات التواصل الاجتماعي أو القنوات الإخبارية لطمأنة الجمهور أو شرح الجوانب الطبية التخصصية وتبسيطها لهم بشكل أسهم في الحفاظ على الطمأنينة ومنع الهلع ومحاربة الشائعات، ومنها الكفاءات الوطنية التي اتجه بعضها للقطاع الطبي الخاص، وأثبتت وجودها رغم صعوبة العمل الخاص وتحدياته، في حين لايزال البعض يرى أن العنصر المواطن ليس جاهزاً بعد لسبر أغواره، وأثبتوا خطأ المنظرين أو من راهنوا على انعدام فرص نجاحهم.

إن جرأة البعض في تحجيم بعض الكفاءات ومحاربتهم تدفعنا للتساؤل عن ماهية جدوى وفاعلية آليات الرقابة الداخلية والتدقيق في بعض المؤسسات، وهل تمكن من معالجة الأسباب أم تقتصر على معالجة الأعراض فقط.

إن تكامل العمل المؤسسي لم يقتصر على تمييز إيجابي للكادر الطبي، بل شمل تطوير خدمات رقمية خدمة مبتكرة مثل «بن وريقه للحالات الطارئة»، والتي تهدف لتعزيز سرعة استجابة الأطباء العاملين في خط الدفاع الأول عند الطوارئ، والتي أطلقتها وزارة الداخلية، ويأتي ذلك مكملاً للتقدير المستمر الذي توجه أخيراً لتكريم الأطباء المقيمين بالإقامة الذهبية، فهي رسالة نبيلة وتقدير مستحق، تعكس الحرص القيادي على تكريم الإنجاز والجهود والتضحيات المقدرة، ونموذج يحتذى به من الصفوف القيادية الثانية والثالثة ولأقل مستوى إداري، فالذهب للأغلى من الذهب، ولا أغلى من مواردنا البشرية، أحد أهم مكتسباتنا الوطنية التي حافظت على حياتنا وتحارب جائحة عالمية، معرضة نفسها للخطر في سبيل سلامتنا، فأقل ما نتمناه لهم جودة حياة أفضل في العمل، وحوافز مستحقة، وهو ما تسعى له قيادتنا دائماً وأبداً لتعزيز تنافسيتنا وقيم العمل المؤسسية.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر