مساحة حرة

رخصة بـ 1000 درهم

فيصل محمد الشمري

إن مفهوم التنمية الاقتصادية يترسخ بقناعات وجهود القيادات الاقتصادية، وإدراكها الصورة الشاملة للتحديات ‏المركبة للتنمية الاقتصادية، وتوفير ممكنات تحقيق التنوع الاقتصادي. ومع استمرار العديد من الدول والمنظمات الدولية، النظر لنا كدولة نفطية، تعتمد بشكل كبير على الاقتصاد المبني على الوقود الأحفوري، ‏دون بدائل (وهو واقع الحال في العديد من الدول النفطية التي لاتزال تعيش سراب وأحلام ‏وذكريات العصر الذهبي للطاقة الكربونية)، أتت كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عام 2015، ‏والتي أقتبس منها: ‏«سنحتفل بآخر برميل للنفط».

فـ70% من اقتصادنا الوطني، اليوم، غير معتمد على النفط، وهو ما يثبت تحقيق تنوّع اقتصادي، وأن الهدف الاستراتيجي الاقتصادي الأسمى، يتحول لواقع، بوجود خارطة طريق مستقبلية شمولية، تتضمن تطوير الاستثمار في العنصر البشري، فهو ركيزة مكتسباتنا الوطنية، بالتكامل مع بدائل متنوّعة للطاقة الأحفورية، تتنوع من محطة براكة النووية، إلى استثماراتنا في الطاقة المتجددة، والتي بدأت تأخذ حجمها ووزنها الطبيعي، ‏لتكتمل بالنهضة الهيدروجينية التي تقودها «أدنوك» لتحافظ على مكانتنا العالمية، كأحد صنّاع القرار، واللاعبين المؤثرين في أمن الطاقة عالمياً.

‏إن تحديات استمرار وجود عقليات تنظر لدور ‏دوائر التنمية الاقتصادية في تحصيل رسوم الترخيص لتغطية النفقات الحكومية، وكبديل عن الضرائب، ينم عن وجود فجوة في فهم دور هذه المؤسسات الحيوية في تذليل العقبات لتطوير الاقتصاد وتنوعه، وبناء ممكنات اقتصادية مهمة لتنافسية صناعة الاقتصاد الوطني.

وأذكر هنا مقولة أحد القيادات الوطنية من أصحاب المعالي الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تكلم عن أن الرسوم، كلما زادت هرب التجار، وبحثوا عن بدائل لاستثمار أموالهم، ‏هذا الفكر الذي تطرق إليه أحد جهابذة علم الاجتماع، ابن خلدون، منذ مئات السنين.

‏إن دعم التوجه لبناء اقتصاد المعرفة واقتصاد متنوع، خطوة أساسية لتغيير الصورة النمطية من الاقتصاد القائم على صناعة النفط إلى صناعات متعددة، ‏تكون ركيزتها الابتكار والتنافسية، ‏فإذا نجحنا في دعم صناعات تقنية مثلاً، على نماذج مماثلة للشركات التقنية العملاقة مثل «الفابت» التي تمتلك ‫Google‬، وشركة «أبل» Apple، وشركة «مايكروسوفت» Microsoft، و«علي بابا»، و«أمازون».

وهي شركات معظمها تأسست في مكاتب، كان بعضها عبارة عن كراج في منزل ذوي أحد المؤسسين، ‏وتحولت نتيجة توفيق الله، ثم اجتهاد المؤسسين وتميزهم، ووجود منظومة متكاملة لدعم ريادة الأعمال في بيئة العمل الاقتصادي، إلى شركات تصل رؤوس أموالها مجتمعة إلى تريليونات عدة من الدولارات. ولتبسيط الرقم، نتكلم عن ما يزيد على 12 صفراً، ‏وهو رقم قد يجد بعضهم أنه من المستحيل أن يتكرر أو يتحقق.

ونذكر هنا مقولة «عظيم النار من مستصغر الشرر». إن ما قامت به دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، من تخفيض للرسوم، بغية تحفيز الاقتصاد، وتشجيع العمل الحر، دعم حقيقي لتمكين التنوع الاقتصادي في الإمارة. ويعيد إلى الأذهان أهمية أن يكون متخذ القرار قريباً من الميدان، ويستشعر التحديات، ويلامس الصعوبات، ‏بهدف معالجة المشكلات، وتوفير العلاج المبكر، ليسهم في تلافي النتائج التراكمية المؤثرة في الاقتصاد على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

وللمتشائمين، من محبي جباية الرسوم، ندعو للمقارنة بين إجمالي مبيعات وأرباح إحدى الشركات العملاقة التي ذكرناها أعلاه، والتي يعادل مدخول إحداها منفردة في عام واحد، ما تحصله دول نفطية عدة مجتمعة. كما أن ضريبة القيمة المضافة بقيمتها الحالية، وهي 5% على مبيعات تقدر بـ100 مليار مثلاً، يعادل تحصيل خمسة مليارات، وهو رقم لم ولن تستطيع ‏دوائر اقتصادية عدة في المنطقة مجتمعة، تحصيله بالشكل التقليدي للرخص، مهما زادت الرسوم.

‏إننا إذ نبارك الفكر الاقتصادي المستنير، والتوجه المحمود لخفض الرسوم جذرياً في إمارة أبوظبي، نأمل أن تحذو بقية الجهات محلياً واتحادياً حذوه، ‏فتمكين التنوع الاقتصادي وريادة الأعمال، ‏يتطلب جرأة من متخذ القرار وشفافية في معالجة التحديات والاستماع للمعنيين، فزيادة الرسوم أو الإبقاء عليها مرتفعة، لم ولن يكون أبداً الحل في تقليل النفقات الحكومية أو تغطية مصروفاتها، ولن تسهم سوى في إبعاد أي استثمارات مستقبلية، ولن تكون سوى بوابة لتراجع التنافسية، لا تطورها. ولأن قيادتنا لا ترضى إلا بالرقم (1)، يأتي التخطيط والتطوير وإدارة التنمية الاقتصادية بتقليص الرسوم المحلية إلى 1000 درهم، كخطوة، ونحن على ثقة بأنه سيتبعها خطوات.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر