مساحة حرة

حوكمة الرياضة (1-2)

فيصل محمد الشمري

تبلغ عوائد الرياضة الاحترافية عالمياً ما يتجاوز الـ91 مليار دولار سنوياً، ‏كما قُدرت قيمة السلع والمشتريات ذات الصلة من البيع في القطاع الرياضي 14.2 مليار دولار عام 2017، ‏هذا الرقم يعد ضعف المبلغ الذي تحصلت عليه الرياضة الاحترافية عام 2005، ‏والذي بلغ آنذاك 46.5 مليار دولار. ‏ومعظم هذه العوائد والمداخيل تأتي من صناعة الرياضة عالمياً، حيث قدر مقال في مجلة «فوربس» عام 2015، أن حصة سوق الرياضة الأميركية ستعود بـ73.5 مليار دولار في عام 2019، وغالباً يأتي ذلك من حقوق النقل الإعلامي والبث التلفزيوني. ‏

ورصد زيادة عوائد هذه الحقوق من 14.6 مليار دولار ‏عام 2014 ‏إلى 20.6 مليار دولار ‏عام 2019، ‏وهو الأمر الذي أدى بالتالي إلى الإسهام في نمو هذا القطاع الاقتصادي الحيوي، نتيجة حجم السيولة الهائلة التي تضاعفت، الأمر الذي أدى إلى عقد صفقات جديدة، عبر تبادل وبيع لاعبين، وتطوير واستثمار في لاعبين جدد، وسيسهم بالتأكيد في تطوير القطاع الرياضي الاحترافي.

‏وقدّرت عوائد الرعاية بـ18.3 ‏مليار دولار، ‏كما أن أغلى 100 لاعب رياضي حول العالم، يتحصلون مجتمعين على ما يقارب الـ3.8 ‏مليارات ‏دولار سنوياً. ‏ولنتأكد من أثر ذلك، تكفينا متابعة ما نسمع أو نقرأ من عوائد عقود بعض المدربين، الذين لا يُتم بعضهم بضعة أشهر، إلا وينهى عقده، إما لعدم رضى الإدارة المعنية في النادي الذي تعاقد معه، أو غضب الجماهير لسوء نتائج الفريق، أو لأسباب أخرى يتم الكشف عنها لاحقاً، ‏كدخول نادٍ آخر في المفاوضات، ورغبته في الاستيلاء على هذا المدرب الذي نشعر ونحن نطالع الأرقام ونقرأ التفاصيل، كأنه لم تلد ولادة مثله في العالم! ‏وكأنه سيأتي بكل بطولات العالم على طبق من ذهب للنادي الذي تعاقد معه!

‏إن الرياضة الاحترافية شأنها شأن أي قطاع أعمال اقتصادي آخر، تتطلب احترافية في العمل والإدارة، وجاهزية عالية تتمثل في اللياقة البدنية للاعبين، والمهارات اللازمة، ووجود بدلاء جاهزين، ‏وخطط ناجعة في مواجهة المنافسة، ‏وإدارة احترافية والتزامهم بالتدريبات والتمارين والتأهيل الطبي والرياضي والتغذية الصحية وهويتهم الإعلامية وصورة اللاعبين، التي كما نرى في دول أخرى، أصبحت تدر المليارات، ‏أو تؤدي إلى خسارة المليارات. كما شهدنا في سعر أسهم شركة مشروبات غازية عالمية، حين قام لاعب رياضي عالمي بإزاحة عبوتي مشروبات غازية من أمامه، مكتفياً بشرب المياه.

إن صناعة الاحتراف لا ترتبط فقط بقيمة ومبالغ الرواتب المدفوعة شهرياً، وإنما هي نظام بيئي متكامل، ‏يتطلب تكامل العناصر لتحقيق النجاح المنشود، وأتى تكليف وزير دولة لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، الذي يتولى ملفات اقتصادية مهمة، برئاسة مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة، ‏ليجعلنا نجزم بأن القيادة الرشيدة ‏التي دائماً تسعى إلى التميز والتنافسية في القطاعات كافة، تطمح إلى ‏تحقيق قفزة نوعية في القطاع الرياضي الاحترافي.

‏فاختصاصات المجلس المعنية بوضع الخطط والبرامج والأنظمة واللوائح الكفيلة بتنظيم وتنشيط وتطوير قطاع الرياضة في الدولة، والعمل على اقتراح التشريعات الخاصة بتنظيم هذا القطاع، ‏وكذلك تشكيل مجالس إدارات الاتحادات الرياضية، وإصدار قرارات إشهار الجهات الرياضية، ‏وتنظيم وتطوير العمل، واعتماد السياسات والاستراتيجية العامة والنظم واللوائح.

‏وهو الأمر الذي يعني مساعي حكومية حثيثة لرفع مستويات الكفاءة، وتطوير المنظومة الرياضية الإدارية الحكومية، وتوفير أفضل الخدمات.

بل أيضاً يقع على عاتق هذه الهيئة بقيادتها الجديدة، مهام وضع الاستراتيجيات والسياسات ذات الصلة بتطوير الاحترافية والمهنية بكل الأنشطة الرياضية، سواء للاعبين أو الإداريين أو المدربين أو أخصائي العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل، وكذلك لمديري أعمال اللاعبين، ومعايير تطوير هويتهم الإعلامية، وحوكمة الشركات الرياضية، وكذلك عقود الرعاية والبث التلفزيوني، بما يحقق تطويراً نوعياً للنظام البيئي ‏الرياضي الاقتصادي الاحترافي المتكامل، ولتطبيق مفاهيم ريادة الأعمال في القطاع الرياضي، وفتح المجال لرواد الأعمال المواطنين في الأنشطة ذات الصلة.

فمازلنا نلاحظ محدودية المواطنين العاملين في هذا القطاع بكل أنشطته، ‏رغم كونه فرصة مواتية ‏لصناعات وأنشطة احترافية في الأنشطة الموازية والمكملة لدور اللاعب المحترف، ‏حيث نلاحظ في بعض الأندية والاتحادات، عودتنا إلى نقطة الصفر في مسألة إلزامية الاعتماد على المدرب المواطن، على الأقل مدرباً للمراحل السنية، أو مساعد مدرب فرق ومنتخبات الدرجة الأولى، لنعمل معاً لتصبح الرياضة نموذجاً وقدوة في الاحترافية والمهنية والشفافية والتوطين والنتائج.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر