الحقيقة المُرّة والكذبة المطمئنة

أراد متعامل أن يفصّل وحدة حائط مناسبة لغرفة معيشته، فقصد شركة معينة وجلس مع المسؤول فيها، وعرض له صورة وحدة الحائط التي يرغب فيها، وطلب من المسؤول صنع قطعة مماثلة لتلك التي في الصورة، يعني نسخها.

استدعى المسؤول المصمم وعرض له الصورة المطلوب نسخها، وجلس المتعامل مع المصمم الذي أخذ منه التفاصيل، وجاء إلى منزله لأخذ القياسات.

بعد أسبوع عرض المصمم على المتعامل تصميماً مختلفاً، وهنا سمع المتعامل صوت «ذلك الرجل» بداخله يقول: لا تقبل هذا ليس التصميم المطلوب، فقال المتعامل لـ«الرجل» الذي بداخله: اصمت قليلاً ودعني أفهم ما حدث!

قال المتعامل للمصمم هذا ليس التصميم الذي أردته، فتدخل المسؤول وقال اسمع كلامي هذا التصميم جميل ويناسبك، أنا صممت مئات الوحدات المشابهة.

قال «الرجل» بداخله: لا تقبل.. ارفض الآن، فقال المتعامل «للرجل بداخله»: سأوافق لأن المسؤول لديه خبرة كبيرة، وحتماً يعرف أكثر مما تعرف، ووافق المتعامل على التصميم.

تم بناء القطعة الضخمة داخل غرفة المعيشة، وأثناء العمل لاحظ المتعامل أخطاء كثيرة، فشكا المتعامل إلى المسؤول الذي كانت تبريراته واهية، ووعد بحل الأخطاء وكل حلوله لم تُجدِ نفعاً.

انتهى العمل، والمتعامل الآن أصبح مستخدماً أمام الأمر الواقع، كلما دخل غرفة المعيشة رأى وحدة حائط في منتهى القبح، عيوبها أكثر من فوائدها، قال «الرجل بداخله»: ألم أقل لك ارفض التصميم؟! فقال المستخدم: هو قبيح لكنه يفي بالغرض.

كذب المستخدم على نفسه كذبة مطمئنة، وهو يعلم في قرارة نفسه الحقيقة المُرّة! بدأ المستخدم يشعر بالغضب والاكتئاب، وبأنه خُدع كلما رأى القطعة القبيحة جاثمة أمامه في الغرفة.

قال المستخدم: ماذا أفعل؟ فرد «الرجل بداخله»: زينها، رقعها، افعل شيئاً يحسّن شكلها، ذهب المستخدم واشترى مجموعة من تماثيل الزينة والصور ووزعها على أرفف الوحدة القبيحة.

مرت الأيام والمستخدم يستقبل أصدقاءه في الغرفة، وكلما نظر أحدهم إلى القطعة القبيحة الضخمة، قال: ما هذا الخطأ هنا؟ كيف قبلت بهذا؟ وكان ذلك خطأ لا يمكن إخفاؤه أبداً، فقال «الرجل بداخله»: حذرتك من البداية!

استيقظ المستخدم ذات صباح وشعر بأنه لا يمكنه احتمال الأمر، فاتصل بنجار وطلب منه تفكيك الوحدة وتخلص منها، بمجرد اختفاء الوحدة القبيحة عادت غرفة المعيشة جميلة كما كانت، وشعر المستخدم براحة نفسية لا يمكن وصفها.

عِبَر

«الرجل بداخلك» هو حدسك، وضميرك الذي لا يخونك، لا تخالفه لو نصحك، ادفع نقودك لما تريده أنت وليس ما يريده غيرك لك، خصوصاً لو كنت تعلم بالضبط ما تريده.

هناك شرط لمخالفة كلام «الرجل بداخلك»، أن يكون الناصح لك شخصاً أكثر منك حكمة وخبرة في الحياة، ويحبك ويريد مصلحتك، مثل والديك أو شقيقك أو شقيقتك أو صديقك، وليس شخصاً يريد مصلحته قبل مصلحتك.

الكذبة المطمئنة لا تصمد أبداً أمام الحقيقة المُرّة، لا تجعل شيئاً يفسد نفسيتك وسارع في التخلص منه.

• «الرجل بداخلك» هو حدسك، وضميرك الذي لا يخونك، لا تخالفه لو نصحك.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة