مساحة حرة

قطار الاتحاد

فيصل محمد الشمري

إن مشروعات البنية التحتية في دولة الإمارات، عماد أساسي لتنافسية الاقتصاد، ومؤشر مهم لتطور الوطن وجاهزية بنيته التحتية، وسهولة تأسيس الأعمال والتبادل الاقتصادي والتطور الصناعي، ويأتي مشروع قطار الاتحاد، تتويج لعقود من مشروعات تحسبن وتطوير البنية التحتية، التي جعلت الطرق وخدمات النقل في الدولة الافضل عالمياً. فبعد تطوير طرق سريعة وتحسين الخدمات بها واضاءتها، وزرع أحزمة خضراء للحد من التأثيرات البيئية والعواصف الرملية بدأها الآباء المؤسسون في نموذج قيادي متفرد سبق أحاديث وبحوث وملتقيات واجتماعات الاحتباس الحراري والتغير المناخي بسنوات طوال، جاءت خدمات النقل الداخلي لتشهد طفرة لم تقتصر على خدمات الحافلات ومركبات الأجرة البرية والبحرية، تبعها مترو دبي، وتشغيل تجريبي لمركبات ذاتية القيادة، بدأتها مدينة مصدر المستدامة بابوظبي.

والآن نتابع التشغيل التجريبي للكبسولات المعلقة بمسار التعليق أو نظام للسكك الحديدية المرتفع والذي يعتبر أحد أهم الخيارات المستقبلية للنقل الحضري في الشارقة وقد نشهده لاحقاً في مختلف إمارات الدولة.

وعودة للمفاهيم التقليدية، سكك القطار والتي كنا نشاهدها في اسفارنا بدول أخرى، تتطور إتحادياً، لتحقق قفزة نوعية في خدمات النقل للبضائع في مراحلها الأولى من نقل الكبريت والمنتجات البتروكيماوية، إلى نقل مواد البناء ومنتجات الكسارات الضخمة بين إمارات الدولة ومنشآتها الصناعية، ومواقع البناء أو التصنيع أو التصدير، بما يحد من البصمة الكربونية الهائلة لهذه القطاعات، ويقلل مخاطر النقل التقليدي من حوادث أو تسرب أو تلوث محتمل، إلى ترشيد نفقات النقل وتكلفته، وحتى استدامة الطرق وتقليل تكلفة صيانتها وتقادمها بسبب الأحمال الهائلة وعدد الشاحنات العابرة، وبالتالي تقليص زمن رحلات النقل ورفع جدواه وتنافسيته، مرورا بخدمات نوعية متوقعة لنقل الركاب يصاحبها تنسيق إتحادي محلي لاستغلال محطات القطار لتتحول لواحات اقتصادية سياحية وتجارية تعزز من تجربة التنقل للمسافرين، مع خيارات متنوعة بين نقل سريع ومباشر، ونقل سياحي يمر بمحطات تستقطب السياح وتعزز تجربتهم، وتوفر خيارات متنوعة ومتعددة للمسافرين محلياً، أو إقليمياً (عند تشغيل القطار الخليجي الذي طال انتظاره).

إن نجاحات قطار الاتحاد لا تقتصر على توفير خيارات جديدة للنقل المستدام، ولا على استدامة وإطالة العمر الافتراضي للطرق التقليدية، بل حققت قصص نجاح، مثل تعزيز قيمة المنتج المحلي (بما نسميه القيمة المحلية المضافة). فعلى سبيل المثال، تم تصنيع العوارض الخرسانية (أحد المكونات الرئيسة التي تربط السكك)، بما يعزز ويدعم مبادرة «صُنع في الإمارات»، وهو الأمر الذي لم نره للأسف في بعض المشروعات الوطنية الأخرى الحديثة، حيث اقتصرت الريادة في البعض منها على نقل المعرفة وتوطينها!

كما أن توطين الوظائف التشغيلية، وتنظيم برامج استقطاب وتدريب للتوطين بتخطيط تشغيلي استراتيجي متميز، لم نشهده أخيراً إلا في البرنامج النووي السلمي، وفي قطار الاتحاد، بما يعكس نضجاً مؤسسياً وإدراكاً لمسؤولية وطنية، قد تسهم في رفع مستهدفات التوطين والتوازن بين الجنسين، إلى نسب غير مسبوقة. والمرأة الإماراتية لها أيضاً حصة متميزة، أتوقع أن تبدأ لمساتها تظهر، ليس فقط بظهور عنصر نسائي في مجلس الإدارة، بل وحتى في أفرع ومفاصل المنظومة التشغيلية، وأطقم الفنيين وفرق تشغيل القطار، فالعنصر النسائي موجود بالفعل حالياً في الوظائف الفنية والتشغيلية. وننوه هنا بأبنائنا وبناتنا الذين نسعد برؤية إنجازاتهم وبصماتهم في تنفيذ المشروع بمراحله المختلفة، من فرق إدارية وفنية تسهم في هذا المشروع الاستراتيجي الوطني.

قطار الاتحاد مشروع طال انتظاره، ولا يسعنا إلا أن نشكر مجلس الإدارة الحالي، بقيادة سمو الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس الإدارة، وكذلك أعضاء مجالس الإدارة السابقين، وأطقم العمل في الشركة، لتحويل فكرة مشروع طموح إلى منظومة نقل حيوية قائمة في الدولة، وحقيقة وواقع يسهم كركيزة في البنية التحتية الإماراتية المتميزة، تدعم تنافسية الاقتصاد، وترفع معايير الاستدامة.

ونتطلع لخريطة طريق ودراسات تبين تكاملية منظومة النقل والسياحة والاقتصاد، والآثار المتوقعة، وتطبيقات لخدمات الحجز والرحلات ومواعيدها وعددها وخياراتها وأسعارها... فالترين جاي وسككه راسخة.

• توطين الوظائف التشغيلية بتخطيط استراتيجي لم نشهده أخيراً إلا في البرنامج النووي السلمي وفي قطار الاتحاد.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر