تصنيف جديد للبشر

تختلف درجة التسامح ودمج الأجناس والعرقيات في النسيج المجتمعي من دولة إلى أخرى، وقد كانت الصورة قاتمة وفي منتهى السوء، القرن الماضي، في دول مثل الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا بخصوص معاملة السود وعدم الاختلاط بهم، وقد قدمت هوليوود الكثير من الأفلام التي وثقت تلك المآسي التي ربما لاتزال موجودة، خصوصاً مع الحادثة الأخيرة في قتل «جورج فلويد» وظهور حركة Black Lives Matter أو «حياة السود مهمة»، التي انتشرت في الكثير من دول العالم.

بالتزامن مع تلك الأحداث، بدأ توجه في الجامعات البريطانية لدراسة مدى التحصيل الأكاديمي للطلاب من الأعراق المختلفة، فمنذ عامين تمت دعوتي للجنة بإحدى الجامعات البريطانية تعنى ببحث الوضع الأكاديمي للطلاب السود والآسيويين والأقليات العرقية الأخرى.

كانت المرة الأولى التي أسمع فيها مصطلح BAME، ووجدت جميع الحضور ملمّين بالموضوع، فأخرجت هاتفي وبحثت عن المصطلح فوجدت أنه اختصار أربع كلمات، هي السود، الآسيويون، والأقليات العرقية، ويتسع المصطلح ليشمل العرب وكل الأجناس الآخرى من غير البيض.

والسبب الذي حفز الجامعات لدراسة الموضوع هو ملاحظة أن التحصيل الأكاديمي للطلاب السود بصفة خاصة، وبقية الفئات بصفة عامة، أقل من الطلاب البيض، وعلى الرغم من عدم اقتناعي بذلك كأستاذ جامعي، حيث لا أرى هذا الفارق داخل قاعة المحاضرات ولا في نتائج الامتحانات، فقد آثرت السكوت، لأن المتحدث يستخدم أبحاثاً ودليلاً إحصائياً، وبالتالي صوته أعلى، كما أن الأبحاث تتحدث عن الطلاب في مرحلة البكالوريوس، في حين أن طلابي في مرحلة الدراسات العليا.

أياً كانت نتائج البحث والمحصلة فما استوقفني وأعجبني هو الاهتمام وتحويل الأبحاث إلى سياسات وإجراءات، حيث إن في أقل من عامين تمت صياغة سياسات في كل الجامعات للانتباه لقياس التحصيل الأكاديمي لكل الفئات، وقد وصل الأمر ليشمل تقرير كل مادة علمية وكل درجة علمية لمعرفة معدلات التحصيل وعلاقتها بالعرق، وها هو أول تقرير أمامي على رأسه الطلاب العرب كأعلى نسبة تحصيل، يليهم الطلاب السود من منطقة الكاريبي، ثم الطلاب من إفريقيا، ومن بعدهم الطلاب البيض، أي أن التقرير جاء مخالفاً تماماً للأبحاث، ولكن كما قلت فالتقرير أيضاً لطلاب في الدراسات العليا، وربما الوضع مختلف في مرحلة البكالوريوس.

الجدير بالذكر أن الموضوع أصبح توجهاً عاماً الآن، ولم يعد مقصوراً على الجامعات، بل امتد الى المؤسسات في بريطانيا كافة، وأصبح الآن من الطبيعي أن ترى عنواناً لخبر في الجريدة عن مذيعة BAME أو لاعب كرة BAME، بل إنه في طلبات التعيين يمكن للمتقدم أن يطلب إدراجه ضمن فئة الـBAME الذين تولي المؤسسات اهتماماً أكبر بتعيينهم ومنحهم فرصاً على اعتبار أنهم أقلية، حيث تصل نسبة الاقليات في بريطانيا إلى نحو 16% من تعداد السكان. هناك انتقادات كثيرة لهذا التصنيف، والبعض يرى أنه سيزيد من التمييز، كما أن الكثيرين يرفضون أن يصنفوا أنهم BAME. وسنرى ما ستتمخض عنه الأبحاث في المرحلة المقبلة.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

الأكثر مشاركة