مساحة حرة

كتاب الوجه أم وجه الكتاب

فيصل محمد الشمري

لن ندخل في نقاش لغوي عقيم عن أصل ومعنى وترجمة اسم أحد أهم مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، ولن نستعيد تاريخ إنشائه والغرض منه، فعندما بدأ الموقع، كان لطلاب جامعة واحدة في ما بينهم، وغالباً كان يدل على أنه دليل. وترجمة الاسم حرفياً سيكون «كتاب الوجه».

وقد ذهب البعض أنه قد يكون اسماً مشتقاً من العبارة

The book of faces، أي «كتاب الوجوه» أو الدليل الذي يضم وجوه الطلاب مرفقة بمعلوماتهم، وبيانات التواصل. وقد يكون المقصود، الوجوه لأجل التعارف، وهذا من حيث: من أين أتى الاسم.

لكن من أين تأتي النقود، فهو ما يدير عجلة مليارية جعلت طالباً جامعياً يصبح من أثرى أثرياء العالم. فعدد مواطني هذا العالم الافتراضي الفعالين شهرياً يزيد على 2.74 مليار نسمة، أي أكثر من سكان الصين والهند مجتمعين، وتقدر الزيادة في عدد المستخدمين بـ12% سنوياً.

هذه المنصة الرقمية، التي أسسها طالب بجامعة «هارفارد» عام 2004، سواء أكان الغرض من الموقع أن يكون أداة للتعليق على صور الفتيات أم كان نسخة رقمية من كتاب كليات «جامعة هارفارد» الورقي، الذي يحتوي صور الطلبة وبيانات التواصل الخاصة بهم، تحولت لأداة اقتصادية مستقلة، لدرجة أضحت لها مريدوها، وجماعات الضغط الموالية لها، بل أصبحت جزءاً من قصة صناعتها لرؤساء دول أو تأثيرها في عمليات انتخابية وصناعة وتوجيه القطيع «والمراد بهم هنا الناخبون.. وقد نتعرض لهذه القصص وتأثيراتها في مقالات لاحقة»، لنراها تجابه دولاً في صراعات وحروب اقتصادية، متى ما أحس هذا الكيان وجود تهديد وجودي على مداخيله وعجلة دورانه.

إن ما تم من حجب موقع ومنصة دولة ذات سيادة، ومسحها من الخريطة الرقمية، سلاح دمار شامل رقمي، لا يقل ضرراً عن استخدام هجمات «حجب الخدمة» أو عمليات التخريب التي يقوم بها المخربون أو أحياناً الدول، في صراعات رقمية رهيبة، تجري خلف شاشات الحاسوب، ولا يدرك أبعادها المستخدم التقليدي.

إن ما قامت به إدارة هذه الشركة، ولو كان لا يعدو إجراء أطَّرته «لوائح الاستخدام» التي يُجبر المتعاملون على الموافقة عليها، يُعد في حقيقته اعتداء على جهود دولة لحماية الملكية الفكرية للناشرين، وحق سيادي في اتخاذ إجراءات قانونية لوقف أي ممارسات مشبوهة أو مخالفة لأخلاقيات أو قوانين أو ممارسات جرى عليها العرف في دولة ذات سيادة، تصل مساحتها جغرافياً لاعتبارها قارة متكاملة.

إن هذه السابقة، قد يراها البعض تحدياً غير تقليدي لسيادة الدول. ولو تجرأت عليها دولة أخرى، لاعتبر ذلك إعلان حرب ولسفكت لأجله الدماء.

إن طبول الحرب الرقمية لم تعد بعيدة عن شاشات المتعاملين، فالحرب تتطوّر وساحاتها تختلف، هل نحن بحاجة إلى إعادة النظر في موافقتنا على شروط الاستخدام التلقائية، أم إن تشريعات الدول يجب أن تواكب ذلك، وتعيد الاعتبار لملكية المحتوى العابر للقارات؟

نتطلع إلى حلول غير تقليدية، تنشر وعي المستخدمين، وتعيد توجيههم للمنصات الأكثر احتراماً للقوانين والتشريعات، وصياغة تشريعية تواكب ما تستجده التحديات، وما نراه من صراعات رقمية هنا أو هناك، بل حتى نطمح إلى إنشاء منصات تواصل اجتماعي تترك عنها ما يسيء لنا وتتجنبه وتميت ذكره، فحرية الرأي الانتقائية مرفوضة ولا تُعد ممارسة صحية بل إنها لا أخلاقية.

لنطمح معاً إلى أن يكون لدينا كتاب وجوه عربي التوجه والمحتوى، أم ترى أن ذلك بعيد المنال؟!

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر