مساحة حرة

الأسوة الحسنة

فيصل محمد الشمري

إن العلاقة بين التطور والابتكار والإبداع، ومواكبة التحديث، علاقة صعبة ومركبة، والتغيير دائماً ما يشكل تحدياً تتفاوت درجاته حسب ثقافة المؤسسة ووعي أفرادها وقيادتها.

- بنوك ترى أن العملات الرقمية مثل «البيتكوين» تهديد وجودي لها ولأسس عملها التقليدية.

إن أحدث أمثلة الدهاء والحنكة والحكمة وانتهاز الفرص لغرض إيجابي، ما قام به السيناتور الديمقراطي الأميركي، بيرني ساندرز، وتحويله لحملة الاستهزاء والتعليقات المريرة الساخرة منه، ومن زيه في حفل تنصيب الرئيس الأميركي، جو بايدن، لدرجة أشغلت العامة عن مستجدات جهود عزل الرئيس السابق المستمرة، وحتى تنصيب الرئيس الجديد، ليقوم وفريق عمله بطباعة قميص مطبوع عليه صورته بالملابس التي لم تتطابق وقواعد الزي الرسمي والقفازات الصوف التي شغلت العالم للاستهزاء به أو التندر عليه، ليبيع القميص بـ45 دولاراً.

واستطاع فريقه بيع أول مجموعة بأقل من نصف ساعة، محققين 1.8 مليون دولار خصصها للعمل الخيري في ولايته، ضارباً مثلاً رائعاً وقدوة في استغلال الفرصة لتحقيق هدف نبيل، محولاً السخرية المريرة لتمويل العمل الإنساني، ومتقبلاً ما رآه البعض (سقطة) في اختيار الملابس، لدعم مالي ضخم للعمل الإنساني.

إن ما قام به هذا السيناتور، قد نشهد مستقبلاً محاولة لتقليده من آخرين لكن له فخر أن القدوة والنموذج الأصيل يعود له.

الأمر ذاته ينطبق على جهات عدة، مثلاً العديد من البنوك، ترى أن العملات الرقمية مثل «البيتكوين» تهديد وجودي لها ولأسس عملها التقليدية، وهي صورة مماثلة لما ارتآه سائقو الأجرة إزاء تطبيق «أوبر»، فتظاهروا وخربوا في العديد من الدول المركبات التي اشتبهوا في أنها مدرجة ضمن خدمات التوصيل لهذا التطبيق، بدلاً من التركيز على بحث التحديات وسبل تحسين الخدمات وكيفية تعزيز رضا وولاء المتعاملين.

وأذكر أننا كنا في مهمة عمل رسمية في إحدى الدول الأوروبية المتقدمة في نهاية يناير 2016، حيث فوجئنا بهجوم على المركبة التي كانت تُقلنا، وسرقة مفتاح المركبة وإلقاء عبوات من المياه والرمل والطحين، في تخريب متعمد، لنكتشف لاحقاً أنهم ظنوا أن المركبة تقدم خدمات «أوبر»، وأنه توجد تظاهرات وأعمال تخريب متزامن في مدن عدة، بهدف الاعتراض على هذه الخدمة والتطبيق الثوري الذي غير مفاهيم النقل التقليدية.

كما كرهت سلاسل فندقية عدة تطبيق «اير بي ان بي»، وكذا الحال بين السينما، و«نيتفليكس»، لكن كما ندرك جميعاً أن «دوام الحال من المُحال».

إن المرونة وانتهاز الفرص دليل حكمة ودهاء وخبرات متراكمة، قد لا تكون خصلة لدى الكثيرين، بل هي خصلة نادرة، يجب أن تصبح ضمن السمات المؤسسية، تكمل الرشاقة المؤسسية وتعززها وتتكامل مع القدرات الخاصة التي تظهر النضج المؤسسي غير التقليدي وتبرز المؤسسات الرائدة القادرة على مواجهة التحديات والأزمات وتحويلها لفرص، فلنتغير قبل أن نُغير، فبين التنافسية والكراهية فجوة متزايدة، ولنا في شركة «نوكيا» أسوة حسنة.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر