مساحة حرة

«قول تم»

فيصل محمد الشمري

حينما يتسامر الأصدقاء، ويأتي أحدهم ويقول: «قول تم»، سيضرب البعض أخماساً في أسداس قبل الإجابة، وقد يحاول آخرون سحب كلمات توضح أين ستكون جدلية الطلب وصعوبته أو معضلته.

- حينما تصطدم بواقع جهات أخرى، تلاحظ أن الفجوة الرقمية بينها تصل لسنوات ضوئية.

التحول الرقمي أظهر تحديات استمرار مراكز الخدمات الحكومية بمفهومها التقليدي، وظهر تفاوتها بين قارة وأخرى، دولة وجارتها، إمارة أو حتى مدينة وأخرى، بل وحتى إدارة وأخرى في المؤسسة نفسها.

فالتحول الرقمي يشكل ثورة على مفاهيم العمل الحكومي التقليدي، ووصل به الأمر إلى أتمتة العمليات إدارياً وتقنياً، بشكل أصبحت المعاملة معه فيه لا تستغرق سوى ثوانٍ معدودة، بين ضغطة زر بدء المعاملة، وسداد الرسوم وإنجازها، وهو ما لاحظته في تطور خدمات شهادة الأملاك في أبوظبي.

فمنذ بضع سنوات، كانت الشهادة ذاتها تتطلب الانتقال لثلاث بلديات رئيسة متباعدة، وقبل أعوام دمجت في شهادة موحدة من أي من البلديات التابعة للإمارة، ثم تحولت لشهادة تُطلب إلكترونياً وتصدر خلال أقل من يوم واحد. وفوجئت هذا العام بقفزة نوعية تمثلت في مدة إنجاز المعاملة وسهولتها. فزمن إنجاز الخدمة منذ بدء التقدم بالطلب وصدور الشهادة وبشكل فوري ومؤتمت ووصول الإشعار بصدور الشهادة، لم يتجاوز الـ30 ثانية، وهو تحسن نوعي وقفزة تستحق الإشادة.

بينما لاتزال بعض الجهات متأخرة نسبياً، حيث يطلب بعضها صورة شخصية وعمر المتعامل وبيانات الهوية وصورتها وجواز السفر وخلاصة القيد، ولم يتبقَّ سوى الفحص الطبي، لأظن أنها بصدد (تزويجي).

كأنها لم تسمع عن اختراع اسمه ربط حكومي مؤسسي عبر الشبكة الإلكترونية الاتحادية أو ربط مباشر مع الهوية، أو حتى الهوية الإماراتية الرقمية، مع إلزامية زيارة مركز الخدمة وهو الأمر الذي نقرأ يومياً تصريحات من العديد من الجهات بعدم الحاجة له، خصوصاً في ظل ظروف (الجائحة).

أما الطامة الكبرى، فحينما تصطدم بواقع جهات أخرى تلاحظ أن الفجوة الرقمية بينها تصل لسنوات ضوئية، فتجدها تشترط الحضور، وإن لم تشترط، فالمتعامل يدرك بحصافته، أن معاملته لن تتم أو تنجز، إلا بمعجزة إلهية أو واسطة سحرية، فقنواتها الذكية ليست ذكية ولا رقمية، ولا حتى إلكترونية، فهي لاتزال ورقية. والموقع الإلكتروني لا يعدو أن يكون صفحة وواجهة للزينة والتفاخر في المجالس والأخبار. والشهادة التي أطلبها فعلياً لتثبت أنني «لا أملك»، ولله الحمد، فلست من أصحاب الأبراج أو العقارات البارة بأصحابها. ورغم ذلك مررت و(تمرمرت) بإجراءات، كأنها حصر إرث لي، أو طلب منحة زواج.

إن حوكمة هذا الواقع وإجراء مقارنات معيارية للخدمات، خدمة إزاء خدمة، ونشاط إزاء نشاط، كما قال الغرب (An Apple to an Apple)، ستتيح معرفة الواقع الحقيقي للتحول داخل المؤسسة بين إداراتها، وخارجها مع الجهات الخدمية الأخرى في إمارات الدولة.

لدينا من قصص النجاح ما يحتذى، فكلمة «تم» من تمام الشيء واكتماله وكماله، وأتمنى أن تصبح القاعدة والنموذج المتميز لبقية خدمات البلدية داخل الجهة ذاتها، أو لبقية البلديات، وغيرها من الجهات الحكومية الأخرى، فالعدوى الإيجابية أمر محمود، والاقتباس في تطوير الخدمات يعد مقارنة معيارية ودليلاً على التميز والريادة وليس باقتباس أو غش مستهجن أو مرفوض. لنزر بعضنا بعضاً ولو عن بعد، بزيارات افتراضية ولتنتقل عدوى «تم» بين البلديات المعنية والدوائر الحكومية الأخرى.. قولوا «تم»!

- مستشار تحول رقمي ومحاضر  وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر