الوعي يغير كل شيء

من أكثر الموضوعات التي لا أملُّ القراءة والبحث فيها موضوع التعلم عن التعلم، أي كيف يتعلم الإنسان، وما آليات تحسين التعلم وتطبيقه عملياً، وذلك لأن القدرة على التعلم تشكل ميزة نسبية لا تضاهيها أي ميزة أخرى، للأفراد والشركات والأمم.

إن التعلم الواعي والفعّال، مع القدرة على تطبيقه، ينقلنا إلى عوالم جديدة لم نكن نتخيل أن نصل إليها، حيث يزداد دخل الأفراد، وتتطور قدراتهم على حل المشكلات، وبالنسبة للشركات يمنحها التعلم القدرة على تقليل الأخطاء والتكاليف، وابتكار منتجات وخدمات جديدة، واستيفاء متطلبات المعنيين، كالعملاء والموظفين والشركاء، وبالنسبة للحكومات يساعد التعلم على الازدهار والنمو الاقتصادي، والتربع على عرش المؤشرات الدولية كافة، كما هو الحال في الدول الاسكندنافية، التي تتفوق على الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والهند. لكن التعلم يبدأ بالوعي، والوعي يغير كل شيء.

استوقفني نموذج من نماذج التعلم الفردي، يشرح مراحل وآليات التعلم، حيث يقسمها إلى أربع مراحل، أولاها مرحلة «عدم الوعي بعدم الكفاءة»، حيث يكون الشخص غير مدرك ما لا يعلمه، فمثلاً إذا أراد شخص تعلم السباحة، فهو لا يدرك تماماً نوعية المهارات المطلوبة، وما عليه القيام به أو عدم القيام به حتى يستطيع السباحة.

ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي «الوعي بعدم الكفاءة»، حيث عند البدء في تعلم المهارة، مثلما هي الحال في مثال السباحة، يدرك المتعلم هنا أن عليه الحفاظ على نفسه طافياً، وفي الوقت نفسه لابد من توازن حركة الذراعين مع حركة القدمين مع الرأس وبقية أجزاء الجسم، كما يدرك أن عليه تنظيم وتناغم حركاته وطريقة تنفسه.

المرحلة الثالثة، وهي «الوعي بالكفاءة»، وتأتي بعد اكتساب المهارة، حيث يدرك الشخص أنه قادر على السباحة، ويعي جيداً ما يجب القيام به، ويفكر فيه أثناء السباحة.

أما المرحلة الرابعة فهي «عدم الوعي بالكفاءة»، أي يبدأ الشخص في ممارسة المهارة المكتسبة دون تفكير، وبطريقة تكاد تكون آلية تماماً، كما لو كان مولوداً ومعه هذه المهارة، فهو لا يفكر مطلقاً في حركة اليدين أو الاتزان أو أي شيء، فقط يسبح بنجاح وأريحية، بل يمكن أن يترك نفسه ليطفو على الماء دون مجهود أو سباحة.

في عام 2004 أضاف الباحث «ديفيد باوم» مرحلة خامسة، وهي مرحلة «الوعي بعدم الوعي بالكفاءة»، وهي مرحلة متقدمة، يدرك فيها الشخص قدرته على إتقان مهارة أو سلوك معين، وأيضاً يمكنه أن ينقل هذه المهارة إلى الغير، ويبرز ذلك جلياً في حالة المعلمين والمدربين والموجهين، حيث إن لديهم التمكن الكامل من مهارة ما، ومن السهل أن يصلوا إلى المرحلة الرابعة، ولكنهم بحاجة أيضاً إلى المرحلة الخامسة، حتى يتمكنوا من نقل معارفهم إلى طلابهم.

في الختام أشكر الباحثة والزميلة إسراء البنداري، حيث نبهتني لتناول هذا الموضوع.

• التعلم الواعي والفعّال مع القدرة على تطبيقه ينقلنا إلى عوالم جديدة لم نكن نتخيل أن نصل إليها.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة