مساحة حرة

«ولو كنت على نهرٍ جارٍ»

فيصل محمد الشمري

إن من محاسن المصائب والتحديات أنها تظهر المعادن، وتبين الواقع دون تجميل أو مبالغة، والترشيد في الإنفاق أو في الاستهلاك يتطلب وعياً مجتمعياً، ويشكل تحدياً معرفياً وتغيراً مسلكياً، خصوصاً إن اقترن بما يراه البعض كرماً موروثاً أو ثقافة خاطئة، وقديماً جمعت العرب متع الحياة بـ(الماء، والطعام، والوجه الحسن).

بينما الرسالة السماوية بينت في الآية الكريمة: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾، وكذلك الهدي النبوي الشريف: «لا تسرف، ولو كنت على نهرٍ جارٍ»، يحض على الترشيد والوعي بأهمية الاستخدام الأمثل.

إن نقص المياه والأمن المائي والغذائي ملف مركب وتحدٍّ عالمي، وتكليف وزيرين في حكومة دولة الإمارات بهما، دلالة على اهتمام القيادة بهذه التحديات وبحث حلول جذرية ناجعة لها، لكن هذا يجب ألا يوقفنا عن المساهمة المؤسسية والمجتمعية في علاج وحل هذه التحديات.

إن الدور المؤسسي لا يقتصر على وضع الضوابط والاشتراطات فحسب، بل يمتد لبناء منظومة متكاملة ترفع إسهامات المجتمع ودوره. فمثلاً ترشيد استهلاك المياه، والتدوير وبحث إمكانية معالجة المياه الرمادية ذاتياً في المنازل والمنشآت، واقتصار التخلص فقط من المياه العامة (مياه المجاري.. أكرمكم الله)، عبر تصميم شبكتين متوازيتين للصرف الصحي، أمر قد يرفع الكلفة مبدئياً، لكن أثره الترشيدي هائل، فمثلاً كم منا يبقي مياه الصنوبر في الشتاء متدفقة لحين خروج المياه الدافئة، وكم من مياه مغاسل المطبخ تتدفق بشكل مستمر أثناء غسل الخضراوات والفاكهة أو الأطباق أو حتى عند الوضوء؟

وللتعليم دور رئيس في طرح تحديات الإسراف في منطقة تشح بها المياه الجوفية، ولا توجد بها أنهار، وتعتمد على تحلية مياه البحر بشكل رئيس، خصوصاً أن الخليج العربي يعاني تلوثاً متراكماً وبقعاً نفطية، و(تنشيف) منابع الأنهار التي كانت تصب فيه من دول مجاورة، لا أظن بل أجزم بأنها تعتزم التسبب بكارثة بيئية متعمدة، لن تؤذي سوى عرب الخليج.

نتمنى أن نشاهد زراعة أكثر للنباتات المحلية حول المساجد وتدوير مياه الوضوء والمغاسل لري واحات صغيرة بجوار بيوت الرحمن، وكذلك عند واحات تعبئة الوقود التي انتشرت، وأعادت تعريف ثقافة وخدمات التزود بالوقود، مع أهمية استخدامها للتعريف بحجم الجهود الخاصة بخفض البصمة الكربونية وترشيد استهلاك المياه.

كما نتطلع لإعادة نظر الجهات البلدية والمعنية بالتخطيط الحضري بمعايير وتصاميم صرف المياه، للتمكين من تدوير المياه دون اللجوء لضخ مياه قابلة لإعادة الاستخدام في ري الحدائق المنزلية أو حتى ضواحي الأحياء السكنية مع مياه المجاري، وبالتالي تخفيض عمليات المعالجة وكلفتها العالية.

إن الجهود المؤسسية من استضافة فعاليات وجوائز دولية مخصصة لمعالجة تحديات إنسانية، وكذلك مركز دولي لأبحاث الزراعة الملحية، تدل على جهود وطنية استباقية، لكن.. «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فيجب أن يشارك الجميع بجهود الوطن في ترشيد استهلاك المياه، والتوعية بأهمية الحفاظ على كل قطرة ماء ثمينة.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


نقص المياه والأمن المائي والغذائي ملف مركب، وتحدٍّ عالمي.

تويتر