ما بعد الطلاق

أثناء التسوق التقيت أنا وزوجتي مع جارنا، وكان يصطحب ابنتيه وهما في المرحلة الابتدائية ليشتري لهما بعض المستلزمات، وكانوا جميعاً سعداء وفي حالة معنوية ممتازة، البنت الكبرى صديقة ابنتي وزميلتها بالمدرسة، نعرف هذه الأسرة الصغيرة منذ ثلاثة أعوام، وقد حدثت بعض الخلافات بين الزوجين وفي النهاية قررا الانفصال وتم الطلاق في هدوء، ومن معرفتنا بهما فهمنا أنهما شرحا لبناتهما الوضع، وقد وضعا نظاماً لحياتهم بعد ذلك، حيث تم ترتيب الأوضاع المالية للأسرة، والأهم هو ترتيب الأوضاع الإنسانية والأسرية، فليس معنى الطلاق أن تنهدم الأسرة ويتشتت الأبناء، فقد تم الاتفاق على الوقت والأيام التي ستقضيها البنات مع أبيهن، يوما السبت والأحد حيث عطلة نهاية الأسبوع، وكذلك تم عمل خطة لبقية الإجازات طوال العام، والأم تأخذ استراحة تقضيها مع صديقاتها وتعتني بنفسها خلال نهاية الأسبوع، والأب يقضي وقتاً رائعاً مع بناته، والأهم أن البنات سعيدات أيضاً، الأم لا تتكلم بسوء عن الأب، والأب لا يتكلم بسوء عن الأم.

شخصياً أعرف على الأقل 10 حالات بهذا الوضع، بل إن إحدى الأسر قضت عاماً كاملاً مع متخصص اجتماعي ليتهيأوا لما بعد الطلاق، أتأمل ذلك، ونتحدث فيه كثيراً أنا وزوجتي، لماذا لا نفعل ذلك في مجتمعاتنا العربية؟ لماذا لا نراعي الجانب الإنساني ونغلّب مصلحة الأبناء على العند والغرور والكبر؟

هناك حالات يدمى لها القلب ويندى لها الجبين، آخرها الأم التي تركت رضيعها في المنزل وحيداً حتى مات من الجوع وتحللت جثته عنداً في أبيه، والأم التي قذفت ابنيها في النهر، بل شهدت شخصياً حالة مات فيها الابن بحادث ورفض الأب استلام الجثة عنداً في الأم (طليقته)، ورفضت الأم أيضاً استلام جثة الابن! ما هذا العند وانعدام الإيمان!

لماذا لا نراعي حدود الله ونطبق قوله تعالى «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»؟ إن الإحسان هو أعلى درجات الإيمان، فماذا سيحدث لو أحسن الزوج والزوجة لبعضهما البعض وتوقفا عن تشويه صورة كل منهما لدى الأبناء، إن ما يقوم به الآباء والأمهات يترك جروحاً نفسية في وجدان أبنائهما لا يعالجها الزمن، إن الحرب بين الأب والأم نتيجتها محسومة، فكلاهما خاسر حتى لو اعتقد أنه انتصر، أو حقق مبتغاه مدفوعاً بالعناد والتعنت والكبر، فموروثنا الشعبي يقول «العناد يورث الكفر»، ويتسبب العناد كل يوم في تدمير أسر وخراب الآف البيوت، أتمنى أن يتوقف كل أب وكل أم قبل الإقدام على تصرف يضر الأبناء ويدمر حياتهم، فلن يجنيا سوى الحسرة.

لماذا لا نراعي حدود الله ونطبق قوله تعالى «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»؟ إن الإحسان هو أعلى درجات الإيمان.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة