أميّو هذا الزمن

من هم أميّو هذا الزمن؟ وهل أسهمت التقنية الموجودة بين أيدينا اليوم في تحسين عملية التفكير؟

تمكنت الدولة في الخمسين عاماً الماضية من القضاء على الأميّة وخطا التعليم خطوات لا تخطر على البال في وقت قصير جداً. في ذلك الوقت كانت الأمية مقتصرة على عدم القدرة على القراءة والكتابة.

معيار تعريف الأميّة في ذلك الوقت مبني على حقيقة أن القراءة والمطالعة تنير العقول وتبدد الجهل. بعد دخول أجهزة الحاسوب إلى المكاتب والمنازل بداية الثمانينات في العالم الغربي، ودخلت علينا بداية التسعينات، تغير مصطلح الأمية وأصبح مرتبطاً بعلوم الحاسوب. فمن لا يعرف استخدام الحاسوب منذ التسعينات أطلق عليه لقب أميّ العصر.

منذ منتصف التسعينات وحتى بداية الألفية انتشرت شبكة الإنترنت في المنازل، وأصبحت عملية البحث أسهل من أي وقت مضى. وتغير مصطلح الأميّة مرة أخرى وأصبح الأميّ هو من لا يستخدم الإنترنت ولا يعلم كيف يتصفحها.

في ذلك الزمن تحديداً وحتى 2010 تغير تفكير المجتمع بشكل كبير، وتكوّن لدينا وعي نتيجة انفتاح إيجابي على أفكار جيدة وردت من العالم الخارجي.

2010- 2020: ظهر وحش يسمى «سوشيال ميديا» ينافس الإعلام التقليدي الذي لعب دوراً مهماً في محاربة الأفكار السلبية منذ تأسيسه. عناصر هذا الوحش هي «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«يوتيوب» و«سناب شات» وغيرها.

في هذه المرحلة أي اليوم عادت نظريات المؤامرة والهراء إلى الواجهة مجدداً وبقوة وزخم شديدين لم يحدثا في التاريخ البشري، والمرعب أن الإعلام الرصين تراجع بشدة أمامها لأسباب كثيرة ليس هذا مكان تفصيلها.

قد تخدم «سوشيال ميديا» أجندات منظمات إرهابية أو سياسية معادية أو كيانات لا تعترف بالعلم وتنادي بالفوضى وتسعى لتكريس أفكار مغلوطة عبر فيديوهات مزيفة.

في هذه الأجواء الفوضوية برز أفراد مؤمنون بأن التطعيم مثلاً شر مطلق ولا فائدة منه سوى تدمير المجتمع. أو أن الكمامة تمنع الأوكسجين من الوصول إلى المخ أو أننا نتنفس ثاني أكسيد الكربون، وأن بيل غيتس يريد تقليل سكان العالم بإبادتهم بلقاحاته القاتلة، متجاهلين أن الحكومات تتعاون معه ومتجاهلين أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات قانونية لا تسمح لشخص بالتفوه بكلمة (إبادة سكان العالم) دون محاسبته في محاكمها.

أميّو هذا الزمن هم من لا يحسنون التفكير، قد يكون الشخص ستينياً ذكياً جداً وشهادته الأكاديمية تمنحه حرف الدال قبل اسمه، ومتمكناً جداً من استخدام الحاسوب ومحترفاً في إدارة حساباته على «سوشيال ميديا» لكنه لا يعرف كيف يفكر وينشر الهراء على حساباته، ولا يتحقق من المعلومة ليس لعدم قدرته على ذلك بل لأنه مؤمن أن بيل غيتس يتزعم منظمة سرية تهيمن على العالم وتريد إبادته.

في المقابل تجد عشرينياً لا يدير حسابات التواصل وليس مهتماً بها، لكنه يعلم كيف يتحقق من المعلومة ويعرف كيف يستخدم عقله ولا ينجرف خلف محتوى رديء عقيم مثل حديث جهلة لا يقرأون. التقنية لن تحسّن تفكيرك ولا المحتوى، بل عقلك وحده.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تجد عشرينياً لا يدير حسابات التواصل وليس مهتماً بها، لكنه يعلم كيف يتحقق من المعلومة ويعرف كيف يستخدم عقله ولا ينجرف خلف محتوى رديء.

الأكثر مشاركة