نهلة النمر

بعد أن قرأت الكثير عنها وعن رحلة دخولها دار أيتام، ثم خروجها بعد 23 عاماً، ثم عودتها إلى الدار مرة أخرى، قررت أن أتواصل معها مباشرة، وبمجرد حصولي على رقم هاتفها أرسلت لها رسالة نصية لإجراء حوار سريع، وجاء صوتها على الهاتف هادئاً ثابتاً ومليئاً بالإيجابية، ممزوجاً بالرضا والتصالح مع النفس ومع الحياة.

نهلة النمر فتاة مصرية، وجدت نفسها في دار للأيتام بعُمر عامين، شبّت على الحياة لتجد نفسها بين 150 طفلة تحتويهن إحدى دور الأيتام، وكانت الحياة تسير بصورة تقليدية مع قلة الموارد والاعتماد جزئياً على التبرعات التي تصل الدار، ومنذ طفولتها قررت أن تسلك طريقاً واضحاً ومحدداً، وهو إكمال تعليمها، وبالتحديد في مجال الرعاية الاجتماعية.

جرت العادة في الدار أن تلتحق البنات لتعلم التمريض، وإنهاء دراستهن الثانوية الفنية عند هذا الحد، من دون الالتحاق بالتعليم العالي، لكن نهلة قررت أن تلتحق بالثانوية العامة حتى تتمكن من دخول الجامعة، والحصول على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، وعندما لم تجد أي موافقة أو تشجيع من إدارة دار الأيتام قررت أن تعتمد على عزيمتها وشغفها، فجمعت ما ادخرته من جنيهات قليلة وقدمت في الثانوية العامة، وأنهت دراستها بنجاح والتحقت بمعهد الخدمة الاجتماعية، وهنا جاء التقدير، ولو متأخراً، من إدارة الدار التي ردت لها رسوم الدراسة، وقد أسهم ما فعلته نهلة في أن تفتح الدار آذانها وقلوبها لفتيات الدار للالتحاق بالتعليم العالي، وكان ذلك أولى ثمار نجاح نهلة، ولم يكن التحاقها بهذا التخصص تحديداً إلا لرغبتها في العودة مرة أخرى للدار، لكن كأخصائية اجتماعية عانت ما يعانيه من مروا بتجربتها، لقد أرادت نهلة أن تضيء شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام، وتنقم على المجتمع الذي أوصلها لهذه الحال.

شعرت نهلة بأن لديها الكثير من الطموح، لكنها بحاجة إلى صقل مهاراتها الإدارية، فالتحقت بشركة من كبرى الشركات في مصر، وعملت بها أربع سنوات، ثم انضمت لجمعية وطنية كبرى متخصصة في مشروعات الأطفال الأيتام ومستحقي الرعاية، وتولت مهمة تدريب وتأهيل المتطوعين، وألهمت قصتها الكثيرين، وقد أثرت في حياة الأطفال وطرق التعامل معهم، لأنه لا أحد سيفهم معاناة هؤلاء الأطفال إلا من عاش التجربة نفسها.

لقد أصبحت نهلة من الشخصيات المعروفة في مصر، ومتحدثة في منصة «تيدكس»، كما تم اختيارها ضمن السيدات الأكثر تأثيراً، ومازالت تسعد من حولها وتضيء مزيداً من الشموع.

تحية لنهلة ولكل من ينظر للحياة بإيجابية، وينير بعضاً من العتمة ليصبح نقطة ضوء.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة