من القبيلة إلى المريخ

سارة محمد فلكناز

مما لاشك فيه أن حياة القبيلة التي تربّى في كنفها آباؤنا وأجدادنا كانت ومازالت رائعة جميلة، غرسوا فينا من خلالها كثيراً من الصفات الحميدة، التي يتميز بها شعب الاتحاد، من الصبر والمثابرة، وأن نسعى إلى تحقيق طموحاتنا، تعلمنا الصمود وألا ننكسر مطلقاً مهما كانت التحديات أو العوائق، تعلمنا أن نحوّل كل عثرة إلى نجاح، كل أزمة إلى فرصة، كل تحدٍ إلى أمل وطموح لا سقف له.

تعلمنا منذ اتحاد دولتنا الفتية في الثاني من ديسمبر 1971 على أيدي آبائنا المؤسسين وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، أن نتطلع دائماً إلى الأفضل وأن يكون التطور الدائم هو هدفنا، وأن نسعى لأن يكون لدولتنا شأن ورفعة في مختلف المجالات، وأن تكون لنا قدم مرتكزة بقوة في مصاف العالم المتقدم.

كان من الممكن أن ننغلق على أنفسنا مثل غيرنا ونعيش بشكل تقليدي في كنف القبيلة، لكن كان لقيادتنا الاستثنائية رأي مغاير، وذلك لأن فكرهم غير تقليدي هو فكر متطور مستنير يطمح دائماً إلى البناء والتنمية والتطور.. ينظر دائماً إلى المستقبل ليس لأن نكون متلقين له بل صانعين له.

وانطلقت الآمال ورؤى وتوجهات المستقبل وكبرنا وكبر الحلم معنا، كنا نعتقد أن السماء هي سقف طموح قادتنا، ولكن رأينا أن هناك ما هو أكبر انطلقوا لاستكشاف الفضاء، وتحقق الحلم في سبتمبر الماضي بإرسال «هزاع المنصوري» أول رائد فضاء إماراتي إلى مركبة الفضاء الدولية، لتحقق الدولة إنجازاً عربياً كبيراً أعاد إلى الأذهان الأمجاد العربية، ولكن قيادتنا الرشيدة لا سقف لطموحها، وخير شاهد على ذلك «مسبار الأمل» الذي سينطلق من المحطة الفضائية بجزيرة تانيغاشيما اليابانية لاستكشاف المريخ، ليسطر إنجازاً جديداً ليس لخدمة مستقبل دولتنا فحسب بل لخدمة البشرية جمعاء.. استطاعت قيادتنا أن تستثمر روح القبيلة روح الفريق الواحد روح العزيمة والإصرار والتحدي لتحقيق المستحيل، من أجل أن تعود ريادة العرب محلقة في السماء والفضاء، بل لتمتد إلى ما هو أبعد من ذلك إلى «الكوكب الأحمر».

يحمل هذا المسبار للشباب أيضاً أملاً جديداً يتطلب معه تغيير فكرهم وحثهم على النظر للمستقبل بفكر مختلف، تكون محاوره مبنية على الإبداع والابتكار والتفكير خارج الصندوق، والبعد عن النظرة التقليدية للحياة والبحث عن الذات وتطوير الرؤى، فلسنا بحاجة الآن إلى أن يكون تفكير شبابنا وفتياتنا منصباً على البحث عن وظيفة تقليدية والعيش بشكل تقليدي، علينا أن نكون استثنائيين مثل قادتنا نصنع بأيدينا الوطنية وظائف المستقبل، علينا ألا ننتظر المستقبل الذي يصنعه غيرنا لنا، إنما يجب أن نكون جزءاً من العالم الذي يصنع المستقبل وقادرين على المنافسة ومواجهة أية تحديات ولا نضع أنفسنا في بؤرة المتلقي، إنما أن نكون الصانع لهذا المستقبل ونخلق وظائفه، ولكن كيف يستطيع شبابنا أن يحققوا ذلك؟

يتحقق ذلك من خلال امتلاك أطفالنا قبل شبابنا نظرة المبتكر والمبدع والمخترع، فـ«مسبار الأول» لا يخاطب فقط عقول الشباب أو الكبار فقط، ولكنه يدغدغ أيضاً عقول أطفالنا، ويقول لهم ها هي أبواب المستقبل تفتح لكم على مصراعيها، وكل ما عليكم فعله هو النظر بعين مختلفة.. التعليم بشكل مختلف.. امتلاك العزيمة والقوة بأن يكون لدينا الآلاف مثل هزاع المنصوري ليس فقط في قطاع الفضاء إنما في مختلف قطاعات التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الرقمية، والبرمجة، والعلوم المتقدمة، وغيرها.

تغيير التوجه الآن مطلوب، وتحوّل فكر الأطفال والشباب نحو دراسة تلك التخصصات العلمية ضروري وحتمي، حتى تؤتي توجهات حكومة المستقبل أكلها، تغيير المناهج التعليمية بما يحقق تلك الرؤية مطلوب، تغذية الأدمغة بكل ما هو مبدع ومبتكر هو التحدي خلال الـ50 عاماً المقبلة مع الاحتفال العام المقبل باليوبيل الذهبي لدولتنا ووصول «مسبار الأمل» إلى المريخ، لاستكمال النجاح المذهل والتاريخي الذي حققته دولتنا خلال نصف القرن الماضي، بما يؤكد أنها دولة فتية في ريعان الشباب تمتلك القدرة والعزيمة وكل أسس ومقومات النجاح في المجالات كافة، ونعلم جيداً أن قيادتنا الرشيدة تسعى جاهدة وبكل قوة لتحقيق تلك الطموحات، ولكن على شبابنا أن يكونوا عند حسن ظن قيادتنا بهم، نريد من الأطفال والشباب أن يتملكهم الحلم، ليحافظوا على مسيرة التقدم والتنمية التي وصلنا إليها وتجاوزنا فيها عنان السماء، وأن نستثمر كل ما تعلمناه من قبيلتنا للحفاظ على مكتسباتنا، وما نصبو إلى تحقيقه على كوكب المريخ.

عضو المجلس الوطني الاتحادي

تويتر