كـل يــوم

«الكفو لو يندفن.. ما تندفن سمعته..»

سامي الريامي

«الجمايل دايمه، والمناصب ما تدوم

                       والكفو لو يندفن، ما تندفن سمعته..».

بيت شعر مملوء بالحكمة، من الأقوال الخالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، يختصر فيها كل شيء، فلن ينفع الإنسان شيء في هذه الدنيا الفانية، لا مال، ولا جاه، ولا منصب، وحدها سمعته الطيبة وأخلاقه، هي التي تخلّد ذكراه، ولا شيء غيرها يدوم.

هي الجمايل والأخلاق الحميدة، التي تبقى أبد الدهر، وتظل عالقة في أذهان الناس حتى بعد رحيل أصحابها.

هذه الحكمة الخالدة، هي وحدها تبادرت إلى ذهني، بمجرّد أن سمعت - بكثير من الأسى والحزن - خبر وفاة ذلك الرجل الطيّب الخلوق جداً، محمد سلطان سعيد المهيري، رحمة الله عليه، الذي رحل بصمت وهدوء، كما عاش بصمت وهدوء وسكينة، لم يضرّ إنساناً في حياته، ولم يتفوّه بكلمة سيئة عن أحد، ولا يعرف قلبه سوى المحبة، كما لا يعرف وجهه سوى البشاشة والابتسامة، حتى في أشد لحظات المرض، كان صابراً مبتسماً، لم يصرح بالشكوى لأحد، بل كان يُطمئن كل من يسأله عن صحته، بأنه بخير وصحة وعافية.

«بوراشد»، رحمه الله، رجل من رجالات دبي، لم يشغل منصباً رسمياً، إذ كان رجل أعمال مستقلاً، إلا أنه خدم الوطن من خلال المجلس الوطني الاتحادي، حيث كان عضواً فيه لسنوات عدة، ومع ذلك، لم يخلُ مجلسه يوماً من الزوار والأصدقاء، يزوره المسؤولون، والمثقفون، والرياضيون، وكان ذلك المجلس - بحق - منبراً ثقافياً علمياً اجتماعياً، لم يُغلق بابه أبداً طوال عشرات السنين، إلا في فترة مرضه وذهابه للولايات المتحدة الأميركية طلباً للعلاج.

اللافت هنا، ليس ذلك المجلس المفتوح، بل اللافت أن محمد سلطان سعيد، رحمه الله، لم يكن ذا منصب رسمي، ولم يكن يوماً وزيراً أو مديراً، وكل من يأتيه في مجلسه، كان يأتي حباً فيه، وفي شخصه الكريم، وإعجاباً بأخلاقه العالية الرفيعة، لا أحد يجامله طمعاً في قضاء حاجة، أو رغبة في الحصول على منفعة، بل كسب قلوب الناس بطيبته الشديدة، وقلبه الكبير النقي، وأسلوبه المحترم، جميع من يزورونه يخجلون من نقاء سريرته، ويعشقون بشاشته، وابتسامته التي لا تفارقه.

رجل بمعنى الكلمة، ومحترم بمعنى الكلمة، ومحب لوطنه ومجتمعه إلى أبعد الحدود، مثقف ومطّلع لكنه في قمة التواضع، ينحني أمام الكبير، ويعطف على الصغير، ويحترم ويقدّر جميع الناس دون استثناء، لا يعرف التعالي والكبر، ولا يفرق أبداً بين خلق الله، لذلك أحبه الله، وحبّب خلقه فيه، فلا غرابة أبداً أن يحزن كثيرون لفراقه، وتأسى قلوب لرحيله، وتتقطع أفئدة لن تشاهد وجهه السمح البشوش مرة أخرى.

عزاؤنا الوحيد في فراق رجل عروبي نبيل، هو أن ذكراه لن تغيب عن محبيه، فهو أحد الأكفاء الذين لن تندفن سمعتهم يوماً.. رُغم غيابهم.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر