إعادة صياغة مفهوم التقاعد!

بغض النظر عن ذلك التقرير الذي نشرته شركة تأمين دولية، لا نعرف مدى صدقيتها وموثوقيتها، حول صناديق المعاشات في المنطقة، والذي أظهر صندوق المعاشات والتقاعد بالدولة يقبع في مرتبة متأخرة، فإنه ينبغي علينا الاعتراف بأن الإمارات بحاجة إلى نظام تقاعدي أفضل من الموجود حالياً، وهذا هو ما تسعى إليه فعلاً حكومة الإمارات، حيث تعتزم تعديل القانون، الذي يمر حالياً بموضع الدراسة والتحليل من المجلس الوطني الاتحادي.

التقاعد هو أحد أهم الموضوعات التي تشغل بال كل موظف في الدولة، فتأثيره لا يقتصر على الموظف المتقاعد فقط، أو على من هم في مرحلة قريبة من التقاعد، بل يتعداهم إلى أفراد أسرهم، وأبنائهم، وليست مبالغة إن قلنا إن مستقبل عائلات كاملة مرتبط بمصير ومستقبل قانون التقاعد، لذا أخذت التعديلات على القانون وقتاً طويلاً، وتم ترحيلها من الفصل التشريعي الـ16 إلى دورة انعقاد المجلس الوطني الحالية، ويتم حالياً إجراء مناقشات مستفيضة للموضوع في لجان المجلس.

ولعل أبرز الملاحظات التي تطال قانون التقاعد في الإمارات، تتمحور حول الحاجة إلى جهود إضافية من الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية لتطوير سياسة النظم التأمينية، وضرورة إعادة النظر في القواعد والإجراءات المتبعة، في احتساب مكافأة نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي للمشتركين.

وفي هذا الإطار، تحديداً، هناك مطالبات قديمة مستمرة، تتمثل في عدم ربط الحصول على المعاش التقاعدي بسن التقاعد، حيث يشكل هذا البند عائقاً وتحدياً كبيراً أمام كل من يريد التقاعد، خصوصاً بالنسبة للمرأة العاملة، بحيث يفضل أن تتاح لها الفرصة للتقاعد بعد 15 سنة خدمة، حتى إن لم تصل إلى سن التقاعد، لتمكينها من القيام بواجباتها الأسرية تجاه أبنائها، إن رغبت في ذلك.

عموماً.. المتقاعدون المواطنون يواجهون في الأغلب خمسة تحديات في سبيل الحصول على معاش التقاعد، تبدأ بإجراءات التقاعد ذاتها، التي تستغرق أشهراً عدة لاستيفائها، دون دخل للأسرة طيلة هذه المدة، مروراً بغياب التأمين الصحي على المتقاعدين في مستشفيات وعيادات خاصة، وعدم مراعاة الارتفاعات المتكررة في الأسعار، والالتزامات المتغيرة سنوياً، إضافة إلى الرسوم المرتفعة على المعاملات الحكومية التي يضطرون لإجرائها، وصولاً إلى الحرمان من الحصول على قروض أو تسهيلات بنكية.

كما أننا نحتاج، قبل البدء في أية خطوة، إلى أن نعيد صياغة مفهوم التقاعد، فهو لا يعني إطلاقاً نهاية رحلة الشخص في الحياة، بل يجب أن نعتبرها بداية مرحلة جديدة، يختار فيها الإنسان طريقاً آخر، وفقاً لرغباته، فإن كان يرغب في دخول قطاع الأعمال، فلا مانع من مساعدته، وتسهيل الأمور له، وإن كان يرغب في الاستراحة، فلنعامله على أنه محارب أخلص وقدم الكثير لوطنه ومجتمعه، وحان وقت تكريمه، فليكن القانون هدية له على جهوده، وليس عبئاً إضافياً يضغط عليه، وعلى أسرته!

أعتقد أننا نحتاج إلى أفكار جديدة، تساعد المتقاعدين، ولا تكبد الدولة أعباء مالية إضافية، فما الذي يمنع إنشاء أنظمة أو صناديق ادخار لمكافآت نهاية الخدمة، بكل القطاعات، هي بالفعل خطوة استراتيجية مهمة، وتجربة جديدة من نوعها على مستوى المنطقة. وهناك تجارب عالمية ناجحة في هذا المجال، هذه المشروعات لها أثر كبير وأبعاد ومنافع اجتماعية واقتصادية كبيرة على أطراف العملية الإنتاجية ككل، وستسهم في زيادة العائد للموظفين، وخفض مصروفات الهيئة، كما أنها ستعمل على تنشيط الاقتصاد.

كلنا أمل أن يظهر القانون الجديد ملبياً احتياجات المواطنين، ومشجعاً لهم على دخول مرحلة التقاعد دون خوف، وأن يراعي سنوات الخدمة والعمل والإنتاج التي يقدمها الموظفون، وتالياً فهم يستحقون الأفضل.. دون شك!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة