5 دقائق

مواطنون ومهاجرون رقميون

الدكتور علاء جراد

في عام 1993 كنت قد أكملت دراستي الجامعية وبدأت بالانخراط في الحياة العملية، ونظراً إلى اهتمامي بقضية التعليم والتعلم تطوعت خلال الفترة المسائية في مشروع لمحو الأمية، وكان المشروع يستهدف الكبار الذين لم يلتحقوا بالمدارس ولا يستطيعوا القراءة والكتابة، وكان المنهج يستهدف تعليمهم القراءة والكتابة والعمليات الحسابية ومبادئ الجغرافيا، وكم كانت فرحة المعلمين كلما تخرجت مجموعة وأصبحت قادرة على القراءة، وبات بمقدورها قراءة أي وثيقة والتوقيع عليها بدلاً من «الختم» والبصمة دون معرفة محتوى الوثاق في السابق.

تذكرت تلك الرحلة وأنا أقرأ مقالاً مهماً عن مارك برنسكي الكاتب والمتحدث الأميركي الذي صاغ بعض المصطلحات المهمة والخاصة بمحو الأمية الرقمية، ففي الماضي كانت الأمية تنحصر في عدم القدرة على القراءة والكتابة، ولكن أصبح هناك الآن أنواع كثيرة من الأمية أهمها الأمية الرقمية، وهي عدم الإلمام بالتقنيات الحديثة وعدم القدرة على التأقلم والاستفادة بالأدوات والوسائل التقنية المتاحة، والتي هي بمثابة العملة المستخدمة في كل دول العالم بل واللغة التي يتحدث بها الناس، ويصنف برنسكي الناس إلى نوعين: (مواطنون رقميون) و(مهاجرون رقميون)، فالمواطن الرقمي هو الشخص الذي ولد في عصر التكنولوجيا، وأما المهاجر الرقمي فهو الشخص الذي تعلم التكنولوجيا في وقت لاحق من حياته، مثل هؤلاء الذين ولدوا قبل عام 1990 إذا افترضنا أن التسعينات كانت بداية التحوّل الرقمي. المواطنون الرقميون يفترض أنهم يتحدثون التكنولوجيا بطلاقة ويكتسبون علومها ومهاراتها بسرعة كبيرة، أما المهاجرون الرقميون فيستغرقون وقتاً أطول، وحتى عندما يتقنون اللغة يكون لديهم لهجة مختلفة ومصطلحات مختلفة.

إذا نظرنا حولنا اليوم سنجد أن أغلبيتنا مهاجرون رقميون، مازلنا بحاجة إلى الكثير من التعلم لمحو أميتنا الرقمية، خصوصاً أن التحوّل الرقمي لم يعد خياراً، وإن لم نكن نستطيع استخدام تقنيات العمل على الإنترنت مثل استخدام «غوغل درايف» أو «مايكروسوفت تيمز» و«زووم» وكذلك استخدام «دروب بوكس»، وكذلك حماية بياناتنا وأصولنا الرقمية فلن نستطيع التواصل مع العالم الخارجي، أقترح أن تقدم جميع الجهات والمؤسسات والمدارس مناهج للمعنيين تساعدهم على سد الفجوة التقنية لديهم واكتساب مهارات التعامل الرقمي، ومن المفارقات أنني أثناء كتابة هذا المقال رنّ جرس الباب لأجد عامل التوصيل يسلمني عبوة الحبر الخاصة بالطابعة الذكية ومع الحاوية رسالة من الطابعة تخبرني بأنها طلبت الحبر لأن العبوة الحالية قاربت على النفاذ، وبالتالي قامت الطابعة بإرسال الطلب، هذا مثال حي لما نعيشه اليوم والغد يحمل الكثير، وما كنا نعتبره درباً من الخيال العلمي في الماضي أصبح اليوم هو العادي.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر