كـل يــوم

هل نحن عاجزون عن الاكتفاء الغذائي؟!

سامي الريامي

بالتأكيد نحن دولة صحراوية، تقع في منطقة شحيحة الأمطار، ولسنا دولة زراعية مؤهلة لتصدير أنواع الغذاء، ندرك تماماً هذه الحقيقة، لكن هل يعني ذلك أننا لا نستطيع تأمين حاجتنا الأساسية من الغذاء داخلياً دون الاعتماد على الاستيراد، في وقت الأزمات، على أقل تقدير، وفي حال تكرر مثل هذا الظرف الصعب، الذي يمرّ به العالم جراء انتشار فيروس «كورونا»، الذي أجبر  الدول على الانكفاء، وإغلاق حدودها ومطاراتها أمام بقية الدول الأخرى!

ماذا لو حذت معظم دول العالم حذو البرازيل، التي قررت وقف تصدير معظم منتجاتها الغذائية، ورفعت شعار: «شعبي أولاً»؟ بالتأكيد لن يلومها أحد على ذلك، ففي مثل هذه الأزمات تصبح هذه السلوكيات مقبولة، وتسقط معها جميع القوانين الدولية المتعلقة بحرية التجارة، أو الاتفاقات بين الدول!

فهل نستسلم في مثل هذه الحالات؟ وماذا لو استمر «الفيروس» لفترات طويلة كما هو متوقع؟ ما الذي يمكن أن نفعله؟ وما الذي يضمن عدم تكرار ظهور الفيروسات مستقبلاً؟ لا أحد يضمن ذلك، بل علينا أن نتوقع الأسوأ، لذلك لابد أن نبدأ، من الآن، في تغيير استراتيجيات الأمن الغذائي، لنبدأ بالداخل، ونرفع شعار الاعتماد على النفس، وهذا شعار يمكن تحويله إلى واقع حقيقي، شريطة أن نبدأ الآن، وألا ننساه في مرحلة ما بعد «كورونا»، بمعنى أوضح علينا أن نستفيد من هذا الدرس بشكل حقيقي!

كثيرون لا يعرفون أن الإمارات تطورت كثيراً في مجال الزراعة، ولم تعد مقولة الدولة الصحراوية عائقاً أمامنا، خصوصاً مع ظهور كثير من التقنيات وأنظمة الري الحديثة، فعلى سبيل المثال، الري بالتنقيط أسهم في خفض نسبة استهلاك الماء في الزراعة إلى 60%، وظهور الزراعة المائية أدى إلى إنتاج الخضراوات بكميات كبيرة، وبنسبة استهلاك مياه لا تتجاوز 15%، وهذا أدى إلى ارتفاع نسبة إسهام الفواكه المحلية إلى 20.3% من إجمالي الكميات المعروضة في أسواق الدولة، بينما بلغ إسهام الخضراوات المحلية 12.2%، خلال أقل من عامين!

وكثيرون لا يعرفون أنه قبل 10 أعوام تقريباً من الآن، صدر تقرير لافت عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حول التنمية الزراعية في دول المجلس، أفاد بأن الإمارات نجحت في الوصول إلى نسبة اكتفاء ذاتي من الإنتاج الزراعي بشكل عام، تصل إلى 50% من حاجة الاستهلاك المحلي، بينما وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي من الفواكه إلى 36%، بعد زيادة عدد الأشجار المنتجة إلى نحو 74 ألف شجرة تقريباً، تنتج ما لا يقل عن 40 ألفاً و143 طناً!

ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة أننا كنا نستطيع الاعتماد على أنفسنا وتحقيق الاكتفاء الذاتي كاملاً في قطاعات المواد الغذائية، كالخضراوات واللحوم والدواجن والأسماك، لو استمر الاهتمام والدعم والتخطيط السليم لهذه القطاعات، ولو أعطيناها اهتماماً شبيهاً بقطاعات أخرى، أثبتت أزمة «كورونا» اليوم أنه لا فائدة حقيقية منها إطلاقاً!

الإنتاج النباتي الزراعي، والإنتاج الحيواني، ومنشآت التصنيع الغذائي العضوي في الدولة، لا تحتاج إلى دعم مالي مباشر من الحكومة، هي تدرك أن ذلك ليس متاحاً لها حالياً، لكنها لا تطلب أكثر من توفير الحماية، حمايتها من الإغراق، والمنافسة الشديدة التي أدت في السنوات القليلة الماضية إلى تراجعها بشكل كبير، وبعد أن تراجعت جاء اليوم الذي نعترف فيه بأن حماية المنتج المحلي كانت هي السبيل الوحيدة لتأمين احتياجاتنا في مثل هذه الظروف الصعبة!

قطاعات الزراعة والإنتاج الحيواني والدواجن، تحتاج إلى تدخل حكومي لتسهيل مهامها، ومراعاتها ودعمها في خفض الكلفة، كالرسوم وفواتير الكهرباء، وعلى سبيل المثال جميع رخص الدواجن وتربية الأبقار والأسماك، في جميع دول العالم تعامل على أنها رخص زراعية، إلا هنا في الإمارات فهي رخص تجارية صناعية، وهذا تترتب عليه رسوم عالية وفواتير مرتفعة.. فأين الدعم والمساندة؟!

دون مبالغة.. نستطيع تأمين احتياجاتنا من الخضراوات داخل الدولة، وبنسبة 100%، ونستطيع كذلك تأمين الألبان واللحوم والأسماك والدواجن بنسب تصل إلى أكثر من 80%، فالتقنيات متوافرة، والإمكانات جيدة، والكفاءات موجودة، وما ينقصنا فقط هو الدعم والحماية الحكومية، والتخطيط الاستراتيجي الصحيح!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر