فيروس كورونا الداء والدواء

يعيش العالم اليومَ أزمةً هي من صنع يده، كما يشير إليه الحق سبحانه بقوله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فأقلقت النفوس، وهزَّت اقتصادات دول كثيرة، وغدت حديث الساعة لكل الناس في كل مكان من العالم، وكأن القيامة قد اقتربت، بظهور علاماتها الكبرى؛ والحقيقةُ أن الأمر أيسر من ذلك بكثير، فما هو إلا أحد الفيروسات التي يعرفها العالم، والتي قد تكون أكثر فتكاً من «كورونا»، كما تفيد التقارير الصحية العالمية ويعرفها الكثير، ومع ذلك لم تأخذ هذا الحجم من التخوف والقلق العالمي، مما يثير تساؤلات قد تكون مريبة عن نشأته وغايته.

- «من كان به داء من كورونا أو إنفلونزا أو جذام أو نحوها عليه أن يقي الناس من الإصابة بما يحمله من داء».

ولستُ سياسياً حتى أخوض في تحليلات واستشكالات، لكني أريد أن أقول:

إن الإنسان محفوفٌ بالمخاطر، وعليه أن يعلم أنه غير مخلَّد في الدنيا، بل له أجل ينتهي إليه بسبب أو بغير سبب. وكما قال ابن نباتة السعدي:

ومن لم يمت بالسيفِ مات بغيره * تعددت الأسبابُ والموتُ واحدُ

ومع ذلك، فعليه أن لا يورد نفسه المهالك بحجة أن المصير محتوم، وإنما هو مأمور بأن يتقي الخطر ما استطاع، ويكون مستعداً لما قدر له؛

أولاً: بما أمره دينه من الأخذ بأسباب الوقاية التي تدفع بإذن الله تعالى ما يمكن أن يحدث لو لم يأخذ بها، وهي كثيرة؛ فمنها ما يعرف اليوم بالحجْر الصحي، وهو الذي أرشد إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: «لا يُورِدن ممرضٌ على مُصح». وقوله: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، فإن هذا الإرشاد النبوي من أهم أسباب الوقاية من العدوى التي تنتشر بأدنى ملامسة. وقد أخذ به سيدنا عمر، رضي الله عنه، لما وقع الطاعون في الشام، فمنع الجيش من الدخول إلى أرض الوباء، فكان سبباً لحفظ أجناد المسلمين المرابطين. وعلى الناس أن يفعِّلوا هذا الحجْر؛ فمن كان به داء من كورونا أو إنفلونزا أو جذام أو نحوها عليه أن يقي الناس من الإصابة بما يحمله من داء، وذلك بالمكث في منزله أو في المشفى المتخصص، والأخذ بأسباب الشفاء من الدواء والغذاء، ولا يدخل في مجامع الناس أو يخالطهم حتى لا يؤذيهم، فإن أذية الناس حرام شرعاً، ولذلك عذره الشارع من الجماعة والجمعة وأكسبه أجرهما، إن لم يمنعه من حضورهما إلا مرضه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن العبد المسلم إذا مرض أو سافر كتب له من الأجر، كما كان يعمل مقيماً صحيحاً».

ومنها الوقاية من مسببات الأمراض، كعدم النظافة والتطهر، فإن كثيراً من هذه الأمراض تكون نتيجة التلوث المنزلي أو البيئي، وقد أمرنا الإسلام بالتنظف والمبالغة في التطهر، وأقام شعائره على مبدأ النظافة الحسية والمعنوية.

ومنها الأخذ بأسباب التداوي، قبل الإصابة، بالتغذية الصحية التي تقوي المناعة. وفي الطب النبوي وما يعرف بالطب البديل شيء كثير من ذلك، وبعد الإصابة بتناول الدواء المتوافر، والسعي لأخذ الأجود والأنفع، كما أرشد إلى ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواءً، فتداووا ولا تداووا بحرام».

ومنها صدق الالتجاء إلى الله بالدعاء الخالص، فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، كما ورد.

وثانياً: بالتوكل على الله بأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئَه وما أخطأه لم يكن ليصيبَه، فإن التوكل من مقتضيات الإيمان، ولا ريب أن الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، كما أخبرنا جلّ شأنه بقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فهو الذي يمرض ويشفي ويعطي ويمنع. وكما قالوا في العقائد:

وكلُّ أمرٍ بقضاء وقدر * وكل مقدورٍ فما عنه مفر

فليكن المرء واثقاً بربه متوكلاً عليه، حسن الظن به، ومن صدق في توكله كفاه الله ما يخافه، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة للجميع.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

 

الأكثر مشاركة