كـل يــوم

حتى يكون الرفض منطقياً!

سامي الريامي

صديق عزيز ذهب إلى عاصمة خليجية لإجراء عملية جراحية، سألته مستغرباً عند عودته: ولماذا؟ لدينا مستشفيات على مستوى جيد جداً، إن لم أقل بمستوى ممتاز، وهناك أطباء معروفون في مجال العملية التي أجريتها، والأهم أن أشقاءنا في تلك الدولة يقصدون الإمارات بشكل مكثف للعلاج والعمليات، فلماذا فعلت العكس؟!

وكما استغربت فعله، استغربت أكثر سبب سفره لإجراء العملية في تلك العاصمة، فهذا الصديق نصحه أناس كثيرون، دكتور كندي هو واحد من أهم وأفضل وأشهر ثلاثة أطباء عالميين في مجاله، يذهب إليه المرضى من شتى أنحاء العالم، وهو يقوم بزيارات بين فترة وأخرى لإجراء العمليات في تلك العاصمة الخليجية، لذلك قام بترتيب موعد معه، وذهب إليه، فالموعد في الخليج أفضل بكثير من الموعد في كندا!

الغريب في الأمر أن هذا الدكتور يضطر، أحياناً للنزول «ترانزيت» في الإمارات أثناء تجواله، وهو معجب جداً بتجربة الإمارات، ويعشق تحديداً مدينة دبي، ما دعا صاحبنا لسؤاله عن سبب عدم اتخاذه دبي مركزاً لعملياته، خصوصاً أن هناك الكثير من المستشفيات يؤهلها مستواها العالي لاستقباله، أجاب الدكتور: «ومن قال لك إنني لا أريد ذلك، أنا أتمنى من كل قلبي أن أكون في دبي، وأن أجري عملياتي فيها، بل إن معظم المرضى الذين أعالجهم يتمنون ذلك، لكن هل تصدق أن الجهات المختصة رفضت إعطائي ترخيص ممارسة المهنة في دبي؟!».

كانت معلومة صادمة بكل المقاييس، فالطبيب واحد من أمهر وأفضل الجراحين، ويمارس عملياته في كندا، وغيرها كثير من دول العالم، ويزور دولة خليجية باستمرار، ويجري عمليات لمئات المرضى فيها، ومن ضمنهم العشرات من مواطني الإمارات، يتابعونه ويثقون به ويسافرون من أجله، منطقياً لا يوجد سبب معقول يبرر رفض إعطائه ترخيصاً لممارسة عمله هُنا!

فلماذا؟ يقول الدكتور إنه ابتدع نظاماً في كندا، بحيث يجعل المرضى يعيشون حياتهم الطبيعية بعد العمليات، وبشكل يدعمهم نفسياً، لذلك اتخذ من أحد فنادق الخمس نجوم مقراً لمستشفاه، وبمجرد أن ينهي العملية يتوجه المريض إلى غرفته في الفندق، ويحظى بمتابعة ورعاية طبية في جو فندقي بعيد عن أجواء المستشفى، وهذه الفكرة لاقت رواجاً واستحساناً ونجاحاً هناك، لكنه لم يكن يعرف أن هذه الفكرة هي سبب رفضه في دبي، فالمسؤولون هنا صنفوه على أنه طبيب فنادق، ويمكن أن يتسبب في مشكلات.. وربما كوارث للمرضى.

بالتأكيد لا نقلل من جهود أصحاب الشأن، وحرصهم على سلامة المرضى وأفراد المجتمع بشكل عام، وهذه أولوية قصوى لا يمكن التهاون فيها، نقدر ونثمن ذلك، وبالتأكيد أن رفضهم إعطاء هذا الطبيب التصريح لم يخرج أساساً عن هذا الهدف، ولهم كل الحق في اتخاذ ما يرونه مناسباً لحماية وضمان سلامة أفراد المجتمع، لكن كان من الأجدر التحقق من كل الجوانب الأخرى، والوقوف على كل التفاصيل التي ذكرها الطبيب، فإن ثبت عدم صحتها، حينها سيكون الرفض منطقياً، وكان من الأجدر اشتراط ما يريدونه، وما يناسب قوانيننا وإجراءاتنا على الطبيب، ويلزمونه باتخاذ المعايير والمواصفات المطلوبة هنا، وكان سيلتزم بها دون شك، أما الرفض المطلق وحرمان المرضى من طبيب متمكن ومصنف عالمياً، فإن ذلك ليس هو الحل الأمثل إطلاقاً!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر