غرق قوارب الفايكنغ

انتشرت ظاهرة متابعة المسلسلات والدراما العالمية من قبل الجمهور المحلي، في الآونة الأخيرة، بشكل ملحوظ.، بعض هذه الأعمال الفنية المميزة تمتد أجزاؤها إلى مواسم عديدة، تم الإقبال الكبير عليها من مشاهدين، من مختلف الفئات العمرية، على الرغم من رسوم الاشتراك المادي في التطبيقات العالمية المهمة، التي تبث المحتوى الفني، مثل تطبيق «نتفيلكس» و«أمازون» و«ستارز بلاي» وغيرها، فهي ظاهرة تسترعي الانتباه وتستحق الوقوف والمناقشة.

تتضمن هذه المسلسلات الدرامية العالمية محتوى خيالياً (فانتازي) وتاريخياً، مثل «صراع العروش» و«الفايكنغ»، ومحتوى إثارة وجريمة مثل «البروفسور والمرآة السوداء»، ومسلسلات السفر عبر الزمن مثل «ظلام» و«جيش القردة الـ12» وغيرها. فقد باتت هذه الأعمال حديث جمهور المشاهدين في الفترة الأخيرة، إذ تخلى الجمهور عن مشاهدة الدراما المحلية والخليجية والعربية المجانية، واستبدلها بمتابعة الدراما والمسلسلات والعالمية المدفوعة الأجر. حقيقة هذه المعلومة جديرة بالتأكيد على أن الجمهور (وهنا لا أتحدث عن جمهور السينما) ملتزم بدفع اشتراك شهري نظير مشاهدة محتوى جيد يلبي ذائقته الفكرية والترفيهية في آن واحد.

ولابد من ذكر أن المحتوى الجيد هو كل الحكاية، رغم أن كثيراً من المسلسلات والأعمال الدرامية التي تُعرض حالياً، قد حقق نسب مشاهدة عالية ليست جزءاً من الصناعة الهوليودية الأميركية بل من إنتاج دول العالم، التي تجمعت في منصة واحدة وقدمت أعمالها لجمهور العالم في الوقت نفسه. من الواضح أن هناك لغة جديدة تتبلور وتجذب الجمهور حسب قوانين العولمة الكاسحة، وقادرة على جمع ملايين المشاهدين حول العالم في التوقيت ذاته، من أجل متابعة موسم جديد من المسلسلات المفضّلة لديهم. كثيرة هي شروط المنافسة في هذه القنوات الحديثة، وما يميزها هو المحتوى الجيد بالإضافة إلى التمويل المادي والتقنيات الحديثة، مضافة إليهما مهارات المخرجين والممثلين العالية.

وفي المقابل تراوح الدراما الخليجية والعربية مكانها، وتنظر إلى المستقبل بأدواتها القديمة نفسها، وتخاطب جمهوراً قديماً بدأ يتناقص يوماً بعد آخر. وباتت هذه الدراما منعزلة عن نفسها، تناقش قضايا اجتماعية مهمة، لكن بالأسلوب نفسه المكرر البطيء، وبتقنيات كتابية مستهلكة، ومحتوى بسيط يعكس ما هو موجود حالياً في عالم النصوص التلفزيونية مع قدرات تمثيلية متوسطة، وللأسف عادة ما تكون غير مقنعة، لأنها لم تطور نفسها ولم تخضع لتجارب احترافية في التمثيل والأداء.

في الجانب الآخر، يوجد مشترٍ دائماً لهذه البضاعة، ولجان توافق على عرض هذا المحتوى الذي يجسّد أزمة مستمرة في القنوات الفضائية. ومن المؤسف أن يستخدم المسؤولون عنها حججاً جاهزة غير مدروسة لتبرير عرضها قسراً على الجمهور، إلا أنهم بذلك يفقدون الصدقية وما تبقى لديهم من جمهور. يتجاهل هؤلاء أن مع تقدم التكنولوجيا وتقنيات الإعلام توجد منافسة لا ترحم، وهناك على الدوام خاسرون ورابحون. وفي مجال الدراما يعرف الجميع مَنْ الخاسر الأكبر!

وعند العودة إلى المسلسلات الشهيرة ذات الجمهور الكبير، نورد مثالاً بمشهد مثير من مسلسل «الفايكنغ»، حيث تتحطم قوارب الغزاة على أسوار مدينة باريس، ومعها تخيب الآمال بغزو هذه المدينة، لكن بفطنة القيادة والتخطيط يستطيعون دخولها مرة ثانية! تستطيع فعل ذلك في الخيال وفي الواقع أيضاً، بالتخطيط وفهم التقنيات الحديثة في الإنتاج والعرض، تستطيع صنع الفارق في الدراما. وفي عودة الجمهور إلى مشاهدة القنوات المجانية المهجورة.

يقول صاحبي: هل توجد أعمال وصلت إلى العالمية من تجارب الدراما الإماراتية الطويلة؟

وهل هناك كتّاب قدموا محتوى لافتاً تخطوا به حدود أسوار المحلية؟

وهل وصل الممثلون والمخرجون المحترفون إلى مستوى العالمية؟

وربما يكون التساؤل الأخير هو: هل يوجد دعم واضح من قنوات التلفزيونات المحلية للمبدعين الإماراتيين وأعمالهم الدرامية؟

كان جوابي له: لا تعليق.

jamal.alshehhi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة