الصداقة في عصر الـ «سوشيال ميديا»

تمر الصداقة بتقلبات الزمن، ولا توجد علاقة صداقة واحدة مثالية، لأن التغير طبيعة في البشر. لكن حقبة الـ«سوشيال ميديا» زادت فرص زعزعة الصداقات، فأنت ترى أصدقاءك من منظور جديد، ليست له سابقة تاريخية.

تدخل «فيس بوك» و«إنستغرام» و«سناب شات»، لترى مَنْ خرج مع مَنْ، وهذا التقى ذاك دون أن يدعوك، أو ترى صديقاً يزور مدينتك دون إبلاغك، أو حتى محاولة التواصل معك.

عادة تتغير الصداقات بعد سن الـ30، لكن في عهد الـ«سوشيال ميديا» فإن التغير يطرأ قبل ذلك للأسباب التالية:

شفافية المنصات: تتميز منصات الـ«سوشيال ميديا» بشفافية كبيرة، بسبب طبيعة البشر في الاستعراض وتقييد الخصوصية. فالمستخدمون يتيحون للمتابعين رؤيتهم ورؤية من معهم، وماذا يفعلون، وفي أي توقيت. فلو شعرت بأنك مستبعد، فسيتولد لديك شعور بالتوتر لن تستطيع إخفاءه.

بالطبع نستثني، في هذه الحالة، أولئك الذين يدعون عائلاتهم فقط دون الأصدقاء.

وقد يتزايد إحباطك وغضبك، عندما تتساءل: لماذا لا يرد عليك شخص ما فوراً، بينما هو قادر على إعطاء 10 «لايكات» على «إنستغرام» في خمس دقائق؟ أو يعطيك صديق أعذاراً لعدم الخروج معك (ربما مريض أو مشغول مع العائلة)، لكنك تجده ظاهراً في صورة لصديق صديقك في فعالية ما. هذه الشفافية قاسية، وتسبب تشققاً في علاقات الصداقة، وإحباطاً، لكنها حتماً ستجعلك تعيد تقييم صداقاتك لتعلم معدن الناس.

عواقب غير مقصودة: تخيل أنك شاركت بصورة مع صديق، وكتبت تعليقاً يعكس مدى استمتاعك بوقتك معه. ثم يدخل صديق آخر لم يتمكن من الانضمام إليكما، ويقرأ التعليق. مهما كانت نياتك صافية وطيبة، فإن ذلك التعليق لن يشفع لك، لأنه تسبب في ألم لذلك الذي لم يتمكن من المشاركة، لأنه شعر بالنبذ والاستبعاد، حتى لو لم يكن ذلك مقصوداً.

قبل حقبة الـ«سوشيال ميديا»، لو أقمت حفلة عيد ميلاد مصغرة في مقر العمل فستدعو الجميع، لكن لو قررت إقامتها في مكان آخر ودعوت المقربين فقط (ومنهم زميلك فلان)، ولم تضطر إلى دعوة جميع الزملاء، فلن يعرف أحد بذلك.

طبعاً بإمكانك إخبار ذلك الزميل بإبقاء الحفلة طيَّ الكتمان، وبذلك ستنجو بفعلتك، لكن في عهد الـ«سوشيال ميديا» فإن الناس ستعرف الأمر حتماً.. وفي اللحظة نفسها.

عملية البحث المعمق: منصات الـ«سوشيال ميديا» صممت بشكل يسبب الإدمان، فمهما كنت غير مهتم بحسابات باحثي الشهرة، فإن كل منصة تحوي أكثر من طريقة للبحث والتحقق من حياة الأشخاص الافتراضية، وكل حساب يحوي مشاركات قد تصدمك، وتسبب لك الغثيان، أو تشعرك بأنك أقل منهم. ما يفعله الناس في الـ«سوشيال ميديا» هو بالضبط ما كانت تفعله مجلات الموضة والحياة منذ 10 إلى 20 عاماً: تعديل وتنقيح وتجميل القبيح.

بالعربي: أفضل طريقة لتكوين صداقة والمحافظة عليها، هي التواصل المباشر والتفاعل والحوار. وأفضل طريقة لتدمير صداقة وإزعاج أصحابك، وجعلهم منبوذين، هي التفاخر بمشاركاتك الفجة في تلك المنصات. استخدم الـ«سوشيال ميديا» بحكمة وتعقل، ولا تجعل نفسك منتَجاً لها!

• تتميز منصات الـ«سوشيال ميديا» بشفافية كبيرة، بسبب طبيعة البشر في الاستعراض، وتقييد الخصوصية.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة