ويكيبيديا صناعيات الشارقة!

كلما أخذت جولة في المنطقة الصناعية بالشارقة، أجدني زائغ العينين ألتفت يمنة ويسرة لرصد أسماء المحال الغريبة، فلطالما جذبني هذا الأمر لمعرفة دوافع وأسباب تسمية المحال بهذه الأسماء، خصوصاً تلك المتناقضة التي لا تتوافق مع المنتج المقدم، مثل أفلاطون لتجارة الإطارات! أو رونالدينهو لبيع الإلكترونيات!

كنت أظن دائماً أن اسم المحل إذا لم يكن مرتبطاً بالمنتج المبيع، فإنه بطبيعة الحال يعكس شيئاً ما في شخصية المالك، أو له ارتباط وثيق في حياته، لذلك قررت أن أتأكد من صحة هذه الفرضية بنفسي، من خلال القيام بجولة سريعة هناك، لأقوم بعدها بانتقاء أسماء محال بشكل عشوائي، وسؤال أصحابها عن قصة تسمية المحل، وقد وقع نظري أولاً على «عشتار لتجارة أجهزة التكييف».

على الفور اتصلت بمالك المحل (سعد)، وطرحت عليه هذا التساؤل فأجابني بأن الملكة عشتار هي رمز لإحدى الحضارات العريقة التي حكمت العراق وبلاداً أخرى في العصور القديمة، وبصفته عراقي الجنسية فإنه يفخر بهذا التاريخ، وبعدها أجابني بشكل ذكي وشامل بقوله «غرابة الاسم تكفي!» وانتهت المكالمة.

بعدها ذهبت للبحث عن اسم غريب آخر في أحد الشوارع الضيقة، وبينما كنت أقود السيارة ببطء سلحفائي، لمحت على جهتي اليسرى ورشة لتصليح السيارات اسمها «سقراط لتصليح كهرباء ومكيفات السيارات». فتوقفت جانباً، وذهبت إلى العاملين هناك لأتحرى عن مالك هذه الورشة، فأخبروني بأن المالك الذي سمى الورشة هو سالم عاشور، وذلك قبل 15 عاماً! نسبة إلى لاعب الكرة البرازيلي سقراط، تعبيراً عن حبه الشديد للرياضة وعالمية اسم سقراط بين محبي الساحرة المستديرة، وبعد مضي مدة باع سالم المحل إلى آخر، وبدوره باعه إلى مالكه الحالي محمد النوبي، وظل اسم «سقراط» شامخاً لا يتزعزع مع كل هذه التقلبات الاقتصادية!

رغم اشتداد الحر، وبعد مرور 10 دقائق أخرى من التسكع الثقافي، وجدث محلين متلاصقين أحدهما اسمه «شيبو» يليه «ناريتا» لتجارة زينة السيارات، وبعد البحث السريع في منصة «العم غوغل» اكتشفت أن شيبو وناريتا اسمان لمدينتين يابانيتين لم أكن أعلم بهما حتى تلك اللحظة.

ثم توقفت عند محل لتجارة الأجهزة الإلكترونية اسمه «أكرا»، وبالآلية المتبعة نفسها بحثت عن معنى الكلمة، فتبين أنها تعني «شكراً» في إحدى اللغات الإفريقية، وعلى ذلك استنتجت فوراً بأن مالك المحل لابد أن يكون منتمياً للقارة السمراء، ولا يغالبني أي شك في ذلك، وعندما دخلت وجدتهم كلهم من الجنسية الباكستانية، وحين سألتهم عن المالك اكتشفت أن اسمه زبير ومن الجنسية الباكستانية أيضاً! ثم تساءلت عن سبب التسمية باستغراب، فعلمت أن اسم المحل الحقيقي كان «إقراء»، لكن بسبب خطأ مطبعي تحول إلى «أكرا»، فضحكت وحاولت التخفيف عنهم بأن عناء التسمية لم يذهب هباء، ثم قلت لنفسي «كفى»، يجب أن أنهي هذه التجربة الآن فقد أصبت بتخمة معرفية كافية. إن التجارة أثبتت قدرتها على التسامح أكثر من أي شيء آخر على مر التاريخ، والمنطقة الصناعية في الشارقة كنز ثقافي ثمين، حيث المحال بكل أصنافها وأنواعها، عالم مكتنف في داخل عالم، والقيام بجولة تسكعية خفيفة في أنحائها كفيل بأن يجعلك تشعر كأنك في ويكيبيديا حقيقية، متجسدة في هيئة منطقة صناعية! وإذا لم تصدقوا ذلك ما عليكم إلا قراءة لافتات المحال التي حولكم بانتباه.

• التجارة أثبتت قدرتها على التسامح أكثر من أي شي آخر على مر التاريخ، والمنطقة الصناعية كنز ثقافي ثمين، حيث المحال بكل أصنافها، عالم مكتنف في داخل عالم.

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة