هراء نظرية «21 يوماً»

تكفيك جلسة يوم العيد مع أهلك وأقاربك وأصدقائك لتكتشف مدى الخرافات المنتشرة في أحاديثهم، والتي يتناقلونها على الألسن دون التحقق من صحتها، أو تلك التي يستقونها من بطون كتب هراء تطوير الذات، وهو المجال الذي كتبنا عنه سابقاً، وذكرنا أنه خصب للمحتالين والنصابين.

أؤمن بأن تطوير الذات ينبع من علم النفس، وبحاجة إلى تغيير كبير في السلوك والشخصية والأفكار، ولا أؤمن أبداً بأن المرء بحاجة إلى مدعٍ يسمي نفسه «مدرب حياة». أثناء جلسة العيد يأتيك مراهق بالكاد نبت له شنب، ليقول لك: أنت بحاجة إلى 21 يوماً لتغيير طباعك أو اكتساب عادة جديدة، ثم يسترسل في ذكر تجربته التي طبقها على نفسه، بعد أن قرأ إحدى الخرافات المنشورة في كتب تطوير الذات المنتشرة على أرفف المكتبات.

هذا المراهق قرأ الخرافة وصدقها، لأنه أراد تصديقها وجربها وأجبر نفسه على التأقلم مع عادته الجديدة، ليحضر إلى المجالس ويتفاخر بها، وليس لأنه اكتسب عادة جديدة فعلاً. جربت هراء 21 يوماً بداية العام، وبعد دخول الأسبوع الرابع، واليوم الـ25، اكتشفت أنني لا أرغب في الاستمرار، ما يعني أني كنت أجبر نفسي على قبولها، ولم أتقبلها، وهذه طبيعتي.

أيقنت وقتها خطأ النظرية، وعندما بحثت في أصلها، وجدت أن الأصل هو أن جراح التجميل ماكسويل مالتز، في الخمسينات لاحظ أنه بعد إجراء عملية تجميل لشخص، فإن الشخص يحتاج إلى 21 يوماً على الأقل ليتقبل شكله الجديد، ونشر مالتز ذلك في كتاب باع أكثر من 30 مليون نسخة.

وهنا بدأت المشكلة، لأن مدعي تطوير الذات الغربيين نسخوا المعلومة، وحذفوا منها كلمة على الأقل! ثم تناقلها الناس، وتحولت من حقيقة علمية إلى خرافة. بينما الحقيقة أنك بحاجة إلى ما بين 66 و250 يوماً، حسب خبراء علم النفس، حتى تكتسب عادة جديدة.

مثل خرافة أنك بحاجة إلى ثماني ساعات نوم يومياً، وهي منتشرة من القرن الـ19، عندما تم تقسيم اليوم إلى ثلاثة أقسام: ثماني ساعات عمل، وثمانٍ لك، وثمانٍ للنوم = 24 ساعة. بينما الحقيقة أن كل إنسان ينام بمقدار حاجته، وشخصياً معدلي هو ست ساعات ونصف الساعة. لو تجاوزتها أشعر بآلام في ظهري. وأعرف من يكتفي بخمس ساعات نوم، ويتمتع بصحة جيدة.

ناهيك عن خرافة أنك بحاجة إلى ثمانية أكواب ماء يومياً على الأقل. كمية الماء التي يحتاجها الجسم تعتمد على وزن الشخص من جهة، والجهد البدني المبذول يومياً. قانون الثمانية أكواب اقتراح من خبراء الصحة، لأنه سهل التذكر على كل شخص، وليس لأن كل آدمي بحاجة إلى هذه الكمية. وهناك رأي يقول اشرب حتى تروي عطشك، بغض النظر عن الكمية.

بالعربي: خلال إجازتي الصيفية جربت الانعزال في الطبيعة، في أسكتلندا، بناء على نصيحة الأهل، وحتى لا يقال إني أتحدث بلا تجارب. المنطقة كانت معزولة وغير مغطاة بشبكة الهاتف المتحرك. شعرت بالاكتئاب الشديد، وبأنني في سجن، فسارعت بالهرب والعودة إلى صخب المدينة، والاختلاط بالناس قبل إكمال 24 ساعة.

أحياناً صخب المدينة هو العلاج، وليس الطبيعة! تذكروا ذلك قبل شرائكم خرافات تطوير الذات، خصوصاً العربية منها!

جربت هراء 21 يوماً بداية العام، وبعد دخول الأسبوع الرابع واليوم الـ25 اكتشفت أنني لا أرغب في الاستمرار.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة