سريالي

لماذا لا أكتب؟

أحمد المظلوم

على الخط السريع أجد نفسي عالقاً وسط عاصفة فكرية تجتاح خيالي، العاطفة تصبح حساسة للغاية في هذه المرحلة، أشعر برغبة في أن «أحتضن البشرية جمعاء»، بوصف دوستويفسكي، لا أعلم ما الذي يعزز هذا الشعور فيّ، أهي الوحدة المؤقتة التي تلازمني أم المباني الحجرية الصماء التي تحملق فيّ بينما أعبر بينها، أم ذلك الصمت الميت الذي يهمس في أذني على شكل طنين خافت «هيا فكر»، أم ألحان ذلك العبقري الإيطالي لودوفيكو التي تؤجج هذه المشاعر الغنية بالحياة في نفسي؟ما يمكنني قوله هو أنني في هذه الحالة بالذات أصاب بتخمة فكرية غير مسبوقة، ويبدأ عقلي في تشكيل ارتباطات وتساؤلات عبثية غرائبية.. من سيكون أول رئيس للمريخ؟ هل الدخان المنبعث من مركبتي سيؤدي إلى انهيار جبل جليدي في انتارتيكا؟ وغيرها الكثير.

وأحياناً تعتريني لحظات «أوريكا!» مصغرة عندما تهبط علي فكرة مشروع أو إجابة منطقية على تساؤل فلسفي كان يقض مضجعي لأشهر أو بعض الأحيان لسنوات! كل ذلك وأنا على الطريق ومن عادتي أن أترك «اللابتوب» معي في السيارة أينما ذهبت، فلا أعلم متى ستقودني الحاجة الى استخدامه على الفور، لذلك يغمرني الحماس أحياناً لتدوين هذه الأفكار في مقالة أو تغريدة مطولة، لكن يجب أن أبحث عن وجهة ما أستطيع أن أكتب بها في هدوء وسكينة، حتى إذا وجدت المكان المناسب أستل «اللابتوب» من الحقيبة كالسيف من غمده، بسرعة خاطفة حتى لا تنطفئ شعلة الحماس، وحتى لا تتبعثر أفكاري التي رتبتها في أحد الأرفف بشكل أنيق في مخيلتي.

أجلس على الكرسي وأرفع الشاشة ثم أفتح صفحة جديدة في برنامج الوورد، ثم أطلب «ون سنقل اسبريسو» إذا كنت جالساً في أحد الكافيهات المتوارية عن أنظار العامة.. الآن حانت اللحظة التي كنت بانتظارها حان وقت الإبداع، هيا أحمد افتح صمام الأمان، واجعل تلك الأفكار المحبوسة تتدفق في موج من الحروف لتزين هذه الصفحة البيضاء الميتة بنقوش سوداء ملتوية متناسقة حد الكمال، تسمى كلمات، لتدب فيها الحياة وتبعث بعثاً جديداً.. وضعت أصابعي على لوحة المفاتيح بعد هذه الخطبة التحفيزية التي ألقيتها على نفسي لأكتب، لكن.. لا شيء.. اختفى كل شيء، لا أفكار ولا كلمات لتترجم ما أشعر به، لقد انتقلت إلى الخواء تعطل مخي عن العمل، ما الذي حدث.. كل هذه الأفكار التي ظلت تزورني وأنا في الطريق أين اختفت! اهااا كل ذلك بسبب تلك الموسيقى اللعينة المزعجة، هذه التي تصدح في المكان، سأذهب الى المنزل لأكتب فهناك لن يزعجني أحد.

بعد نصف ساعة أصل الى المنزل، أجلس أو أنبطح إن صح التعبير على الأريكة وافتح اللابتوب، ولك أن تتوقع ماذا حدث بعدها، نعم لم أستطع الكتابة هناك كذلك وطارت الأفكار في فضاء النسيان! قلت متذمراً أنا لا أستطيع الكتابة والتفكير بسبب هذه الأريكة المريحة، بسبب هذه الرفاهية الرأسمالية التي أنعم بها.

ذهبت أبحث في الإنترنت، وأسأل بعض الأصدقاء حانقاً على نفسي، عن قصص مشابهة لحالتي، فعلمت أن هذه الحالة يطلق عليها «قفلة الكاتب»، وذلك حين لا يستطيع الكاتب الإتيان بأي عمل جديد، وقد عانى منها العديد من الكتاب العظام في مرحلة ما في حياتهم، جيمس جويس مؤلف رواية «يوليسس» العظيمة، كانت تمر عليه أيام شحيحة لا يكتب فيها إلا سبع كلمات فقط في اليوم الواحد! ودوستويفسكي الذي طلب منه أحد الناشرين الجشعين أن يكتب رواية واحدة خلال عامين وإلا ستسلب منه حقوق كل أعماله السابقة! لكنه لسبب ما لم يستطع كتابة كلمة واحدة حتى تبقى شهر واحد فقط على موعد تسليم الرواية، وفي هذه الفترة استطاع أن يكتبها في وقت قياسي، حيث كانت تلك رواية المقامر الشهيرة.. هذه القصص اللطيفة طببت على كتفي للتخفيف من حزني لكنني لازلت إلى الآن لا أعلم لماذا لا أكتب؟

ذهبت أبحث في الإنترنت، وأسأل بعض الأصدقاء حانقاً على نفسي، عن قصص مشابهة لحالتي، فعلمت أن هذه الحالة يطلق عليها «قفلة الكاتب».

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر