سريالي

يوم لن ينسى (2)

أحمد المظلوم

توقف مشهد المقال السابق عند عبوري للحدود الإيطالية بالخطأ، بسبب تعطل جهاز الملاحة (جي بي إس)، في حين كانت الخطة الأساسية أن نقضي يوماً كاملاً في القرية النمساوية الفاتنة زل إم سي! حتماً لم يكن ذلك في الحسبان، لكن من حسن الحظ أن ذلك لم يمنعنا من الاستمتاع بلحظة الضياع هذه فقررنا أن نرى إلى أين قد يأخذنا الطريق، وما الذي قد يصادفنا في هذه الرحلة الشاقة والشيقة في آنٍ واحد.. أعيننا قد غمرها الإرهاق من قلة النوم، وقد أكملنا حتى الآن خمس ساعات في التيه.

معرفتي السياحية عن إيطاليا - آنذاك - لم تكن عميقة، كنت أعتقد أن هذه الدولة لن أجد فيها إلا شواطئ خلابة ومدناً عصرية جذابة، فلم يدر في ذهني مرة أن أجد أريافاً متناثرة ومروجاً خضراء كالتي نشاهدها في سويسرا، لكن في نهاية الأمر علمت بأنني كنت مخطئاً تماماً في حقها، فالذي مررنا عليه في طريقنا جعلني في حالة ذهول.. أنهار فيروزية تجري بمحاذاة الطريق، وقلاع أثرية تعتلي الهضاب، وكنت أسال نفسي مشككاً: هل نحن في إيطاليا حقاً؟! فما رأيته لم يكن يشبه إيطاليا التي رسمتها في مخيلتي البتة.

مشينا بضعة كيلومترات، ثم توقفنا لالتقاط بعض الصور فالجو كان بارداً ومنعشاً، والضباب قد قارب أن يلامس الأرض، ترجلت من السيارة ومشيت إلى أن وصلت بالقرب من النهر الفيروزي.. وقفت مندهشاً في مكاني؛ تأملت روعة المكان، ثم بحثت في هاتفي المتحرك عن اسم النهر في محاولة يائسة، علماً بأن تغطية الإنترنت لم تكن متوافرة هناك، لكن لا يهم ذلك الآن فقد اكتشفنا هذا المكان الساحر، نعم فلقد تملكني شعور المستشكفين الكبار أمثال كولومبوس وماجلان حينها، ولو لوقت قصير؛ وبعد قضاء وقت ممتع قرابة نصف الساعة ركبنا السيارة وانطلقنا على غير هدى، كي تأخذنا الأقدار حيث شاءت. توقفنا في محطات عدة فالمناظر كان تأمرنا بذلك قطعاً، بعد مرور ساعتين من القيادة توقفنا لأخذ قسط من الراحة، وتناول الطعام في أحد المطاعم، وكان أول مطعم وقع عليه نظري هو «ماكدونالدز».. أكلنا حتى الشبع، وبعد أن داهمنا الوقت، لم تتبقَّ لنا إلا ساعات معدودة قبل أن تغيب الشمس، لذلك كنا نفكر في كيفية عودتنا إلى مدينة ميونخ بسلام، دون أن ندخل إلى سلوفينيا بالخطأ!

عقدت جلسة عصف ذهني مع صديقي في المطعم قبل أن نهم بالخروج، وفي لحظة إلهام هبطت عليَّ فكرة بسبب الحاجة الملحة لإيجاد حل، وهي أن نقوم باستغلال خدمة «الواي فاي» المقدمة في «ماكدونالدز»، والاستعانة بها لكي تمكننا من الوصول إلى ميونخ.. فوراً قمنا بتحميل الخريطة والتحرك إلى وجهتنا، وعند خروجنا من المطعم رأينا جبال الدولوميت الشاهقة التي تحيط بالشمال الإيطالي الذي اكتشفناه مصادفة! يا له من منظر عظيم آسر.. لم أستطع المقاومة، فعلى الرغم من ضيق الوقت أصررت على أن نتوقف قليلاً للاستمتاع بهذه المناظر، وتوثيق الرحلة. وبعد أن انتهينا قلت: «يلا على ميونخ».

قضينا أجمل الأوقات في هذه المغامرة التي لن أنساها أبداً، وتعلمت درساً بأن التأقلم مع الظروف الصعبة والمقلقة قد يكافئك بأشياء رائعة لم تكن تتوقعها.


يا له من منظر عظيم آسر.. لم أستطع المقاومة، فعلى الرغم من ضيق الوقت أصررت على أن نتوقف قليلاً للاستمتاع بهذه المناظر، وتوثيق الرحلة. وبعد أن انتهينا قلت «يلا على ميونخ».

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر