سريالي

يوم لن أنساه

أحمد المظلوم

سبتمبر: 2014

موسيقى هادئة تطرب لها الآذان وألوان زاهية تزيّن المكان، هناك في الطاولة المقابلة زوجان يتناولان عشاءهما، ويتبين لي من هنا أن الزوج غاضب من شيء ما، لا يهمني ذلك فقد وصل طعامي، ميونيخ العاصمة البافارية، مدينة تزخر بالتنوّع الثقافي ولها إرث تاريخي عميق، وهي من المدن المقربة إلى قلبي، كنا نجلس أنا وأحد الأصدقاء في مطعم هندي شهير، وكان يومنا قبل الأخير في هذه الرحلة القصيرة المليئة بالمفاجآت، لكن كان مصدر ندمنا الوحيد هو عدم القيام برحلة حول القرى النمساوية بالسيارة، فقد نسيت رخصة القيادة في المنزل، ولم يكن باستطاعتي تأجير أي سيارة، لكن من حُسن الحظ أن صديقي كان قد أحضر رخصة القيادة معه، وهكذا قررنا في اليوم التالي أن نقوم بهذه الرحلة بشكل مباغت، رجعنا إلى غرفتنا في الفندق واتصلت فوراً باحدى شركات تأجير السيارات التي تعمل على مدار الساعة، وقمت بحجز أول سيارة وقعت على لسان الموظف، كان الحماس قد طغى على نعاسي فلم أذق حلاوة النوم إلا ساعة أو ساعتين، على عكس صديقي الذي غاص في أحلامه سريعاً.

الساعة الرابعة فجراً هناك امراة تتلصص من نافذتها علينا، فكما يبدو أننا تسببنا في إزعاجها بأصواتنا ووقع أقدامنا في الشارع، الحياة تكاد تكون معدومة في هذه الساعة، وصلنا إلى المكتب بعد انقضاء 30 دقيقة من المشي، قمنا بإجراءات الدفع على وجه السرعة، حتى لا نضيع أي دقيقة، فلا نملك إلا هذا اليوم، توليت قيادة السيارة بعد أن حددنا الوجهة على الخريطة «زيل إم سي»، التي تقع في قلب الريف النمساوي الساحر، وانطلقنا متوكلين على الله، الشوارع خالية والصبح قد بدأ يتنفس، كل شيء كان رائعاً في الحقيقة، حتى حانت اللحظة التي تعطلت فيها الخريطة عن العمل وأضعنا الطريق!

تبيّن أننا قد دخلنا إلى النمسا، حيث لا توجد تغطية للإنترنت فلم نكن مستعدين لذلك، فوراً توقفت على جانب الطريق، وبعد جلسة تفكير قصيرة قررنا تجربة الخريطة اليدوية للاسترشاد بها في طريقنا إلى القرية الفاتنة «زل إم سي»، مررنا على لافتة خضراء صغيرة كتب عليها اسم القرية فدب الفرح إلى قلبي قائلاً في نفسي: «ها هي لم يبق إلا القليل حتى نصل»، ومصدر الفرح الضمني لم يكن اقتراب وصولنا الى القرية، بل نجاحي في استخدام الخريطة اليدوية، فهذه كانت أول مرة، ولأول مرة مذاق خاص في كل شيء. ما حدث بعد ذلك خيب ظني فلم تكن اللافتات التي مررت عليها تحمل اسم القرية، لكنني وثقت بأنني سأصل قريباً إلى وجهتي، وبعد مرور دقائق رأيت لافتة صغيرة في جانب الطريق كتب عليها بخط عريض «أهلاً بك في إيطاليا»!

* تكملة القصة في مقال الأسبوع المقبل.

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر