سريالي

عبدالرحيم الهاشمي

أحمد المظلوم

سبتمبر:2015

الجو غائم رمادي الوجه هناك سحابة على وشك أن تمطر وبسرعة، ركبت سيارتي منطلقاً وحيداً بحماسة بالغة من العاصمة الفاتنة ريكيافيك، على طريق الخاتم الدائري الذي يطوق الجزيرة كاملة، تجاورني عن يميني وعن شمالي حمم لافا، شاسعة المساحة، مكتسية بالعشب الأخضر المتراقص، الوجهة المقصودة ليست بعيدة لكن التغير الجيولوجي الذي يحدث للطبيعة في هذا البلد يجعلك تظن بأنك قد دخلت قارة ثم قارة أخرى ثم دولة ثم دولة أخرى! إنها بلد الجليد والنار، حيث تتصارع قوى الطبيعة الباردة والساخنة للسيطرة على هذه الجزيرة المعزولة، البراكين والصفائح الجليدية تقف بجانب بعضها في مشهد متناقض لا يستوعبه العقل البشري وأنت لا تجد إلا أن تردد مذهولاً: كيف؟

وصلت إلى وجهتي بعد مرور 40 دقيقة، ركنت سيارتي وتوجهت إلى تلك البركة الخلابة المكتسية باللون السماوي المسماة «بلولاغون»، التي تُعدّ أحد المقاصد الأساسية لكل السائحين القادمين إلى جمهورية أيسلندا، دفعت ثمن تذكرة الدخول وبدلت ملابسي وخرجت من المبنى لأجد بخار الماء الساخن المتصاعد من البركة يهرب إلى السماء وهمسات الناس تملأ المكان، والجو قارص، وبسرعة الضوء نزلت إلى البركة قبل أن يباغتني البرد، في الحقيقة قضيت وقتاً جميلاً دافئاً في هذا المكان الساحر ذلك أقل ما يقال عن التجربة، ويجدر الذكر بأن جمهورية أيسلندا في تلك الفترة لم تكن وجهة معلومة من قبل كثير من السياح الخليجيين.

خرجت من البركة أسابق الريح لالتقط منشفتي وإذ بي أسمع من خلف ظهري صوت أحد الأشخاص يحادث صديقه باللغة العربية! وأنا لدي فضول خاص للتعرف إلى العرب في الدول غير المعروفة، لذلك فوراً التفت إليهم ثم ألقيت التحية وعرفت بنفسي فوجدتهم على طيب خلق وسماحة وتحدثنا لدقائق معدودة متناسياً قساوة الجو ثم سألني أحدهم: من أي دولة عربية أنت؟ فقلت له أنا من الإمارات، فارتسمت على وجهه ابتسامة مفاجئة، ثم قال: «معانا صديق من الإمارات اسمه عبدالرحيم الهاشمي يرافقنا في هذه الرحلة». وما إن قال لي ذلك حتى وجدته أمامي يستقبلني بوجه بشوش فرحب بي أفضل ترحيب ثم سألني عن اسمي وأين أعمل وماذا أفعل في هذه الجزيرة المعزولة لوحدي! فقلت له إنني بانتظار قدوم صديقي من لندن بعد ثلاثة أيام ثم سألته عن أيسلندا وكم مكث فيها إلى الآن. في الحقيقة كنت مسروراً للغاية بالحديث معه لم أشعر بالوقت أبداً فقد كان صاحب كاريزما جميلة وهو من هؤلاء الأشخاص الذين بمجرد التحدث معهم تحبهم بلا سبب، واستمر حديثنا لبرهة يسيرة ثم ودعته وذهبت.

في اليوم التالي قمت برحلة حول بعض أهم الأماكن الطبيعية القريبة من العاصمة الأيسلندية، وقد استغرقت رحلتي هذه أكثر من خمس ساعات وعند عودتي خرجت للتنزه قليلاً وتناول وجبة العشاء، وبينما أنا مطرق الرأس أطالع آخر المستجدات على وسائل التواصل الاجتماعي، سمعت صوتاً خلفي يردد بعض الكلمات باللغة العربية فالتفت متفاجئاً مرة أخرى فهذه فرصة للتعرف إلى عربي آخر في هذه الرحلة! وإذ بي التقي عبدالرحيم وأصدقاءه في مصادفة أخرى. ذهبت للسلام عليهم وتجاذبنا أطراف الحديث، وشاءت الأقدار أن يكونوا هم كذلك قد قاموا بالرحلة ذاتها التي قمت بها في هذا اليوم فزادني ذلك حماسة فتحدثنا عن مدى جمال هذا البلد، وقدم لي عبدالرحيم بعض النصائح عن أفضل الأماكن التي من الممكن زيارتها، وقبل وداعي الثاني لهم دعاني لتناول وجبة العشاء معهم فاعتذرت بلطف، ثم قال لي «إذا احتجت شي كلمني»، فشكرته وذهب كل منا في طريقه.

عند عودتي إلى الإمارات قصصت لجميع أقربائي وأصدقائي عن المصادفة التي جمعتني بمواطن من الإمارات في ايسلندا، وعند ذكر اسمه عند أحد أصدقائي قال لي مدهوشاً: «ألا تعلم من هو عبدالرحيم الهاشمي»، فقلت له لا! ثم أراني صورته وهو يقف بجوار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.

كان ذلك الرجل البشوش المتواضع الذي غمرني بلطفه وحسن كلامه هو معالي عبدالرحيم الهاشمي مدير الشؤون الخاصة السابق للشيخ زايد، رحمه الله، ومرافقه الدائم وكيف لي أن لا أعلم ذلك!

ذكرت هذه القصة الجميلة لكل شخص أعرفه ولا أعرفه، وها أنا أنقلها لكم اليوم في هذا المقال.

وأقول أخيراً شكراً لك معالي عبدالرحيم الهاشمي، فهذه الدقائق المعدودة التي قضيتها معك ستخلد في ذاكرتي إلى الأبد، وأتمنّى ألا تتوقف عن رحلاتك الرائعة حتى تجوب العالم بأسره.

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر