سريالي

مذكرات القط كريتيك

أحمد المظلوم

قد يتعجب البعض من قدرتي الخارقة على كتابة مذكرات آدمية وأنا قط وضيع، فذاك لم يكن ليحدث إلا من خلال كتبكم التي آثرتم أن ترموها في بيتي الذي يتغير أثاثه بشكل يومي، بل في كل ساعة. تعلمت أن أقرأ وأكتب في فترة لا تتجاوز الشهرين، وها أنا أنافسكم في الأسلوب والإبداع وقلمي إنساني أكثر منكم! إنني أشعر بالاختناق الدائم، كأن يد الموت طوقتني بكل عنفوانها. الرائحة مقززة، هنا أكياس القمامة تنهمر عليَّ بلا هوادة، كما أنني أشعر بالسمنة وداء النقرس يقف على حافة الطريق ليلتقي بي. ماذا فعلتم يا معشر البشر بأنفسكم وبنا؟ أطباق كاملة من الطعام ترمى فلماذا الهدر؟ أثقلتمونا بأكياس القمامة حتى لم أعد أجد متسعاً للتنفس! آه.. هناك الكثير مما يجول بخاطري حول الآدميين بعد سنين طويلة من الهرب الدائم والذعر الملازم والملاحظة الفاحصة لأطباعهم وحياتهم الاجتماعية والعملية، وإنني لمحدثكم اليوم عن القليل مما رأيت، وسأكرس ما تبقى من حياتي لأتهكَّم وأنتقد العديد من الأشياء التي لم تعجبني فيهم، ولنستهل ذلك بأيام العيد المبارك:

في أحد الأيام كنت أتسكع كعادتي من الضجر داخل فناء أحد البيوت، وقد لمحت تسابق أربعة أطفال للحصول على العيدية من رب البيت، الذي مد يده إلى جيبه والابتسامة مرتسمة على وجهه فرحاً بقدوم هؤلاء الملائكة الصغار، وأخرج أربع ورقات نقدية من فئة 50 درهماً، ليعطيها لكل طفل بالتساوي، ولقد أثار حفيظتي أحد الأطفال حينما رمى الورقة النقدية على الأرض، معبراً عن امتعاضه ومعارضته لهذه العيدية البخسة، بقوله بصوت حاد كالعصافير وبكلمات مزلزلة: «شو هذا ما اباها بابا عطاني 500 درهم!» أطفال البشر اليوم هم رجال أعمال ذوو نزعة رأسمالية، لا يكتفون بالقليل أو بما هو مناسب لسد احتياجاتهم، بل يطمعون في المزيد دائماً، ولا يتوانون في البكاء والنواح، وأحياناً إبلاغ مركز الشرطة في سبيل الحصول على مبتغاهم! يا لهم من شياطين ليتكم ترون كيف أربي أطفالي تعالوا إلى مضجعي كي تشاهدوا بأنفسكم كيف يتقاسمون رغيف الخبز بالعدل وليس المساواة، فالمساواة هي نهاية العدل كما يقول نيتشه! نعم لماذا التعجب والاندهاش فقد قرأت كتباً عديدة في الفلسفة، حينما كنت أعيش مشرداً، وقد تسأل نفسك أليست كل القطط مشردة؟ هيهات أن يكون ذلك فنحن لدينا مستويات اجتماعية معيشية، كتلك التي لديكم فهناك قط من الطبقة الحريرية يعيش مرفهاً مدللاً في قصر لا أول له ولا آخر، وهناك قط من الطبقة الخيرية يعيش في بيت أحدهم ولكن في الخارج، ويحصل على غذائه وشرابه في كل يوم، وهناك قط من الطبقة المنكوبة يتسكع بين الشوارع الخطرة في النهار، لا يعلم ما إذا كان سيعيش إلى الليل، فوجوده في العراء يعرضه لمخاطر كثيرة، وقد فقدت العديد من أصدقائي بسبب ذلك!

أنشد يا كريتيك! فالقافلة لن تقف وسأمرر لكم نقداً لاذعاً كاوياً، حتى أصلح البشر دفعة واحدة في مهمتي الأبدية هذه، وسترونني مجدداً في فترات أخرى أظهر لكم بلسان الشاعر وعقل الفيلسوف وجرأة المقاتل، أقرأ لكم مذكراتي بينما أنتزع منكم كل الاهتمام حتى أصبح أنا همكم الأول... لن تصمت يا كريتيك!

Ahmed_almadloum

• سترونني مجدداً في فترات أخرى، أظهر لكم بلسان الشاعر وعقل الفيلسوف وجرأة المقاتل، أقرأ لكم مذكراتي، بينما أنتزع منكم كل الاهتمام.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر