سيكولوجية نظرية المؤامرة

في ما يتعلق باستكشاف أمور الحياة، هناك نوعان من البشر: الأول يريد تفسير كل شيء، والثاني يمضي في حاله دون الالتفات إلى ما حوله، وفق هذا المنظور فإن نظرية المؤامرة نفسياً هي مجرد محاولة تفسير، فالإنسان بطبعه يعشق فك الألغاز والغموض، ولا يقبل العيش دون إيجاد تفسيرات لكل شيء.

نظرية المؤامرة مثل أفلام الرعب، كلما اشتد غموضها ازداد ازدهارها، مثلاً تذهب الجماهير لمشاهدة فيلم الرعب ظاهرياً، لأنها تبحث عن ما يخيفها، وباطناً لأنها تريد اكتشاف الغموض. وفي نظرية المؤامرة تكثر التفسيرات، وتصبح حديث الناس كلما ازداد غموضها.

عقل الإنسان مبرمج على ترجمة كل ما تراه العين، والعقل يفسر الأشكال والأنماط، فعندما نقول: فلان يشبه فلاناً، فلأن العقل حفظ شكلاً معيناً لتقاسيم وجه شخص. ومتقصي الآثار يميز أثر قدم حيوان عن آخر بحفظ الشكل. وهذه الآلية نفسها تمكننا من تمييز الأشكال المألوفة، التي تتكون في الغيوم.

هذا ما يجعلنا نؤمن بوجود نوع من المسببات أو التنسيق بين أحداث عشوائية غير مترابطة. إضافة إلى أن معتنق فكر المؤامرة يتمتع بتفكير تحليلي، لكنه متحيز لوجهة نظر مسبقة وهي المؤامرة، وحتى عندما يبحث عن المعلومة، فإنه لا يأخذ سوى ما يتفق مع الفكرة المثبتة في رأسه.

مثلاً، من أشهر نظريات المؤامرة في هذا القرن، الاعتقاد أن الحكومة الأميركية وراء ضربات سبتمبر الإرهابية، أو أن اختفاء الطائرة الماليزية لأنها كانت تحمل شحنة أسلحة. أو باراك أوباما مسلم سراً.

ازدهرت نظرية المؤامرة في الحالات الثلاث، لأن العقل البشري لا يقبل وقوع الحدث دون تفسيره. فيقبل بأكثر التفاصيل إثارة كمسبب الحدث، ويتعلق بها، ويدافع عنها باستماتة حتى تتحول إلى عقيدة. ولا يقبل الغموض كجواب لأن كل حادث له أسباب.

مثال آخر، اغتيال كينيدي لايزال لغزاً عند الكثير من الأميركيين، الذين لا يصدقون أن لي أوزوالد اغتاله. فإذا كان التحقيق الرسمي أعلن أوزوالد المتهم بالجريمة فإن العقل المؤامراتي يرفض بساطة هذا التفسير، ويبحث عن الأكثر تعقيداً وإثارة، وهو أن ذلك تم بتخطيط مسبق من قوى خفية شيطانية، لأن التفسير المعقد بالنسبة لذلك العقل أسهل في تفسير أمور الحياة من التفسير البسيط.

في عقيدة المؤامرة، لا توجد حوادث ولا صدف، كل شيء جزء من الخطة، وكل شيء يحدث لسبب. لأن وجود العقل المدبر المتحكم بأمور العالم عنصر مثير للاهتمام أكثر من الصدف والعشوائية. حتى لو كانت المؤامرة شريرة، فإن معتنق الفكر يرتاح أكثر لوجود شخص/‏‏ جماعة يلومهم.

المؤامرة موجودة، وهي كل ما يحاك سراً لإيقاع ضرر مثل فضيحة ووترغيت، وكذلك إيران - كونترا، وتفجير فندق برايتون عام 1984 لاغتيال الراحلة مارغريت ثاتشر، وغزو صدام حسين للكويت أيضاً مؤامرة دبرها نظامه، وضربات سبتمبر مؤامرة إرهابية خططتها «القاعدة». أما رفض المعطيات ومحاولة إعادة تفسير الأمور والأحداث وفق تخيلات أو معلومات خاطئة، فهو نظرية المؤامرة.

بالعربي: وجدت دراسة لجامعة شيكاغو، عام 2014، أن نصف الأميركيين يؤمنون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل. ووجد استطلاع رأي، عام 2013، أن معظم الأميركيين يؤمنون بأن اغتيال كينيدي كان مؤامرة كبرى.

عقل الإنسان مبرمج على ترجمة كل ما تراه العين، والعقل يفسر الأشكال والأنماط.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة