سريالي

«وصية الساعة العجوز»

أحمد المظلوم

قصدت ذات يوم متجراً للساعات القديمة، فقد كنت مولعاً باقتنائها، وسرت أتجوّل في معرض الوقت - كما أُحب أن أُطلق عليه - قافزاً من زاوية إلى أخرى، متأملاً في هذه الأجساد الجوفاء الجميلة.

وكانت الساعة حينها تشير إلى الـ11 مساءً. تملكني الفضول عندما رأيت في نهاية المتجر درجاً يؤدي إلى السرداب، فقلت في نفسي: يجب عليّ اكتشاف ما يخفيه صاحب المتجر في الأسفل!

وحين وصلت إلى الأسفل وقفت في قلب السرداب، وهذا ما رأيت: كانت رائحة الماضي تفوح من هذا المكان، الذي لم يكن سوى كومة من الأثاث المتهالك والخشب المتراكم.

حينها شعرت بالخذلان وهممت بالرجوع ولكنّني سمعت صوت أنين غريب تحت كومة الأخشاب المتراكمة، فأزحت بعضها حتى أصل إلى مصدر ذاك الصوت، فوجدت تلك الساعة المهترئة تخاطبني بصوتها المتنهد: يا مجرم الوقت هل لك أن تعلقني على الجدار؟ فلم يتبقَ من عمري إلا ساعة، وأردت أن أسرد لك وصيتي.

قلت لها: حسناً.. حسناً أيتها الساعة العجوز، أخبريني ما هي وصيتك؟

قالت: في البداية دعني أُحدّثك عن نفسي قليلاً، فأنا صُنعت على يد صانع ساعات سويسري يعمل في قرية نائية تقع في أعالي جبال الألب يعيش سكانها على هذه الحِرفة، وكان ذلك منذ 200 عام.. ثم قالت: دعك من ذلك الآن فلا شأن لك فيه، فلم يتبقَ من وقتي إلا دقائق فأستمع إلى وصيتي:

ما أنا إلا ساعة حمقاء لم أكن شيئاً ولن أكون

لا أعرف إلا عرض الوقت لمجرمي الوقت.

فقاطعتها: ولكن أيتها الساعة العجوز ما هي وصيتك؟

قالت بصوت حانق: اصمت! أنتم مجرمو الوقت مُدانون بجريمة خيانة الأمانة.. راقبتكم بحسرة ساعة بعد ساعة تمضون أوقاتكم في متاجر اللهو والكلام، ولكن آآآه لو تعلمون قيمة ذلك الوقت المهدر! قد أسركم بأغلال التفاهة والسذاجة فلم تحسنوا تقديره فأحسن استغلالكم! لك الخيار يا صديقي إما أن تكون ملك الوقت أو عبده، فالوقت لك لا تجعله عليك، أما أنا فوجودي هو سبب لحاجتكم! والآن دعني يا صديقي أقول لك وصيتي فقد أطلت الحديث:

وغطّت الساعة العجوز في صمت عميق، أحسست في حينها أن الفراغ قد نال مني، وبينما انتظر الوصية خرج ذلك الصوت من الساعة العجوز (تيييك توووووك)

فصرخت بأعلى صوت: ما هي الوصية أيتها الساعة الحمقاء؟

كان هذا آخر شيء تلفظت به، «ها قد فارقت الحياة» قلت بغضب شديد لأنني لم أعرف ما هي تلك الوصية التي الحت على قولها لي؟ وندمت أشد الندم لأنني أضعت ساعة من وقتي في التحدث الى ساعة! شعرت بالغباء حقاً! ثم باغتتني فكرة لمعت في ذهني جعلتني أشعر بالغباء أكثر عندما علمت أن الساعة كانت تخدعني، ولم تكن لها أي وصية بل كانت تطيل الحديث ليضيع وقتي الثمين هدراً! ضحكت من ذكائها وتعلمت درساً ثميناً عن أهمية الوقت وهرعت مسرعاً إلى صاحب المتجر كي لا أضيع أي وقت فقلت له: كم الساعة الآن يا سيدي الفاضل؟ فأجاب بصوت بطيء: (تيييك تووووك). فركضت مبتسماً مبتعداً عنه، ولم أنظر إلى الوراء مرة أخرى.. قلت في نفسي: «ها ها لن أقع في الفخ مرة أخرى».

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر