سريالي

لعنة المعرفة.. «المشكلة والحل»

أحمد المظلوم

«ما إن نعرف شيئاً ما حتى نجد أنه من الصعب تصور ما قد تكون عليه الحال إن كنا لا نعرفه. إن معرفتنا لعنتنا».

كنت قد أشرت في مقالي السابق «لعنة المعرفة 1» إلى كيفية إصابة شخص ما بلعنة المعرفة، وقد أسهبت القول في هذه المسألة من خلال ذكر التجربة التي قامت بها عالمة النفس إليزابيث نيوتن في عام 1990، التي سمتها «المسجلون والمستمعون»، كما سلطت الضوء على مشكلة حاضرة في معظم مؤسساتنا عند قيامها بالاستعداد لصياغة خطة استراتيجية «غير مفهومة»، وقد أوضحت الدراسة، التي شملت 300 شركة كبرى حول العالم، أن أكثر من 86% من الموظفين لا يفهمون الاستراتيجية البتة! وذلك بالطبع بسبب حضور لعنة المعرفة، والآن دعونا نأتي إلى أحد الحلول لهذه المسألة الشائكة.

هناك مصطلح شهير صكه أستاذ العلوم السلوكية، توم كولديتز، في ثمانينات القرن الـ20 سماه «نية القائد»، وهو بكل بساطة ما يرغب قائد الحرب في تحقيقه أثناء أي عملية قتالية من دون أي تكلف أو إسهاب، مثل أن يعلن «السيطرة على قرية الأغبياء من دون أي ضحايا»، وبهذه الصيغة التي قد يطلق عليها البعض «الصبيانية» والخارجة عن حدود الأدب اللغوي يفصح القائد عن نيته لجنوده، أولاً يجب علينا معرفة أنه «ما من خطة تصمد أمام الالتحام الأول مع العدو»، فالبشر أمزجتهم متقلبة والخطة كذلك تكون كثيرة التبدّل مع تبدّل الظروف، كالأرض والحالة الجوية، حيث إن كل هذه العوامل تؤدي إلى تغير دراماتيكي في الخطة بشكل مفاجئ، بناء على ذلك إنه من الضروري ترسيخ نية القائد لدى الجنود المشاركين في العملية العسكرية، حتى إذا ما حدث تبدل مفاجئ في الخطة يطمئن القائد بأن الجندي لن يتوه، بل سيعمل لتحقيق نية القائد بطريقته الخاصة، بعيداً عن الخطة المعدة مسبقاً. قد يتساءل بعض القرّاء الأعزاء ويقول: حسناً إذا كان أسلوب نية القائد قد حقق نجاحاً لافتاً في القطاع العسكري.. فماذا عن القطاعين الحكومي والخاص؟

«يمكنني أن أعلمكم سر إدارة هذه الشركة في 30 ثانية.. إليكم السر: (نحن الشركة الأدنى كلفة). ما إن تفهم هذا الواقع، حتى يمكنك اتخاذ أي قرار بشأن مستقبل الشركة كما أفعل أنا»، كلمة مؤثرة قالها هيرب كيلر، المدير العام التنفيذي لشركة ساوث ويست للخطوط الجوية، الذي تولى زمام قيادة هذه المؤسسة لأكثر من 30 عاماً، وفي رصيده نجاحات كثيرة لا تحصى، حيث إنه من المعروف أن قطاع الطيران يمر غالباً بأزمات مالية شديدة في فترات متفرقة، لكن العجيب أن هذا لم يحدث مع «ساوث ويست» للخطوط الجوية، فقد ظلت تسجل أرباحاً متوالية 30 عاماً بلا انقطاع.

فالقاعدة هنا البساطة ثم البساطة ثم البساطة، وما أصعب التبسيط! فيجب توخي الحذر من البساطة المفرطة كي لا تفقد الفكرة أو الرسالة جوهرها، لذلك من الضروري أن تكون لكل قائد نية يفصح عنها صراحة بلا أي تكلف في العبارات، و«حلم» لتحقيقه، فالكلمات تفعل سحرها فى الناس إن تم انتقاء ما يناسب منها.

Ahmed_almadloum

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر