كـل يــوم

الدلال المفرط سبب تمرد هذا الجيل..

سامي الريامي

كبار المسؤولين في الدولة من مديري عموم ووكلاء وزارات ووزراء، وغيرهم، هم في الغالب خريجو مدارس حكومية، وهم الآن يديرون أماكن حيوية وخدمية ومهمة وحساسة بكفاءة وفاعلية. ليس هذا مربط الفرس، لكنهم أيضاً تعرضوا مثل أبناء جيلهم والأجيال التي تلتهم، لعقوبات تصل إلى الضرب من المعلمين ومديري المدارس بالعصا وغير العصا، أثناء دراستهم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية!

فالعصا في تلك الفترة كانت منظراً طبيعياً جداً، يحملها المدرس بجانب شنطة الكتب في يده، والأجيال السابقة جميعاً تدرك معنى «لا تسلّم إلا عينه»، ولذلك لم يكن أحد يتجرأ ويبلغ ولي أمره بأنه تعرض للضرب في المدرسة، وإلا كان العقاب مضاعفاً من ولي الأمر نفسه، من دون أن يسأل عن تفاصيل ما حدث!

لست مع الضرب عموماً، لكنني لست ضده بغرض التربية، وأعني بالضرب هنا ضرب التأديب، لا الضرب المبرّح الذي يسبب العاهات، فهذا جريمة لا علاقة لها بالتربية، لكن النوع الأول هو جزء من التربية، بغض النظر عن الدراسات النفسية وخبراء وفلاسفة علم النفس، الذين يدعون أنه سبب من مسببات العُقد النفسية التي تصيب الطفل، في حين أن التجربة، وهي خير برهان، أثبتت أنه لم يتسبب يوماً في ذلك، بل إنه أسهم في تخريج أجيال قادرة على حمل المسؤولية!

أفرطنا اليوم في كميات العاطفة التي نمنحها أطفالنا، وهذا سبب رئيس من أسباب تمرد هذا الجيل، فبعد الشدة التي تربينا عليها نحن، أصبحنا نخاف على الأبناء من كل شيء، وأي شيء، وبتنا نخشى عليهم حتى من العوارض الطبيعية كالشمس والجوع والنعاس، فنفرط في إجبارهم على تناول الطعام، ونخشى إيقاظهم من النوم فنتركهم كسالى، ونخشى عليهم من اللعب تحت أشعة الشمس الخفيفة، ونصنع لهم كل ما يحتاجون إليه، من دون أن ندرك أننا بذلك نقتل عندهم المبادرة، ونحرمهم تحمل المسؤولية مهما كان حجمها، نعتقد أننا نشفق عليهم، لذلك نقوم بكل الأعمال نيابة عنهم، في حين أننا نربيهم على الاتكالية!

ولأننا أفرطنا في دلال أبنائنا، أصبحوا لا يقدرون قيمة هذا الدلال، ولا يشعرون بثمن الأشياء، وكل ما يفعلونه أنهم يطلبون المزيد، والسبب هو هذا النوع من التربية التي تجعل الابن يفقد الإحساس بقيمة الأشياء، والإحساس بالآخرين، ومنهم أهله، بل منهم أمه، التي أفرطت في دلاله، فلن يجد بأساً أن يبحث عن راحته على حساب شقائها، أو بالحصول على ما يريد بغض النظر عن إمكانية أبيه أو وضع الأسرة المالي، لن يعير انتباهه إلا للحصول على طلباته، فلقد زرعنا فيه هذه الأنانية، وعلينا جني ثمار هذه التربية!

هل تساءلنا: ما المشكلة في أن نحمّلهم قليلاً من المسؤولية؟ وما المشكلة إن تعلمنا أن نقول لهم لا؟ وما المشكلة إذا تحملوا قليلاً من المعاناة وقليلاً من الألم؟ فالحياة لن تكون لهم سهلة هيّنة وطوع أمرهم، بل على العكس تماماً، لا مفر من الصعوبات ليفوز الإنسان وينجح بعد ذلك، ولذلك على الأهل أن يتصفوا بالحكمة، وأن يتركوا أبناءهم يتحملون المسؤولية ويذوقون بعض المشاق، مقابل أن يسندوهم ويعينوهم ويوجهوهم، بذلك يشتد عودهم ويصبحون قادرين على مواجهة الحياة!

وبمناسبة الضرب في المدارس، فقد أعلنت ولاية جورجيا الأميركية عن إجراء تأديبي جديد يتضمن ضرب الأطفال بعصا خشبية، وبعثت المدارس برسالة إلى أولياء الأمور كي تطلب إذنهم بالمباشرة في الإجراء الجديد، أو تعليق أبنائهم عن الدراسة لمدة خمسة أيام في حال عدم الموافقة!

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر