5 دقائق

رسالة الإعلام ومشاكل الإعلام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

للإعلام رسالة وطنية وقومية أساسية في الحياة الاجتماعية، فلا يستغني أي مجتمع عنه، فهو أحد ركائزه؛ لأنه الذي يوصل حاجة الفرد والمجتمع لمن بيده الحل والعقد، وهو الذي يثقف الناس إن كان هادفاً، أو يفسدهم إذا كان فاشلاً، وهو الذي يُشيع الأمن أو الخوف، والرغبة أو الرهبة، للفرد والجماعة، وهو الذي يجعل المرء وهو في قَعر بيته أو في زاوية مكتبه يعيش مع العالم كله وكأنه حاضر مشاهد وقائع وأفراح وأتراح الناس والمجتمعات.

«إذا علم المرء أنه

مسؤول عن كلامه

وكتاباته بل وإشاراته،

فإنه لا بد أن (يفرمل)».

كما أنه أمُّ المشاكل الاجتماعية والفردية؛ فهو القتات المشاء بالنميم المفرق بين الأحبة، الباعث للكراهية والشحناء، وهو مِسعر الحروب والكوارث، فيصدق عليه قول الشاعر:

فهو اللسان لمن أراد فصاحةً وهو السنان لمن أراد قتالا

ومن هنا كانت أهميته كبيرة ومسؤوليته عظيمة، وقد كان قبلُ محصوراً في قنوات محددة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في أي دولة، حتى أصبح اليوم متسعاً كاتساع الخرق على الراقع، إذ غدت قنواته ووسائله أضعاف عدد الناس، مما يجعل السيطرة عليه أمراً أشبه بالمستحيل إن لم يكن المستحيل كله، فلم يبق لضبطه وربطه غير وازع الإيمان ويقظة الضمير.

أما وازع الإيمان؛ فإن من يعرف أن كلمته المسموعة أو المكتوبة هو أسيرها عند ربه سبحانه فإنه {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، أي ملكان أحدهما رقيب يكتب الخير، والآخر عتيد يكتب الشر والسوء، والكتابة تعني الإحصاء وتعني المساءلة وراءها، فإذا علم المرء أنه مسؤول عن كلامه وكتاباته بل وإشاراته، فإنه لا بد أن «يفرمل» ويحسب كل حساب لذلكم العرض الكبير الذي لا تغادر سجلاتُه صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، فما المخرج من قول السوء يومئذ لا سيما إذا ترتب عليه ضرر لأحد، فإن الجزاء يكون - بعد العذاب الأليم - من الحسنات أخذاً والسيئات طرحاً عليه حينما يفلس من الحسنات، وهو ما يشير إليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم»

وأما يقظة الضمير فهي مهمة جداً لكبح جماح اللسان أو القلم، فإن الضمير الحي لا يقبل أن يجرح أو يفضح أو ينُم أو يشتم أو يغتاب أو غير ذلك، لأن كل هذا يعتبر مؤذياً للآخرين، وذو الضمير الحي يمنعه حياؤه وتمنعه أخلاقه أن يستطيل على الناس كما لا يحب أن يستطيل عليه أحد، وهذا ما يندب إليه ديننا الحنيف فإنه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، كما صح في الحديث.

فإن فقد هذا وذاك – وما أكثر فقده الآن – يبقي وازع السلطان وقوة القانون في تجريم الإساءة للغير والإشاعة بالباطل والتعدي على الخصوصيات، وما يترتب على ذلك من نكال ووبال و«لما يزع السلطانُ الناسَ أشدُّ مما يزعهم القرآن».

فينبغي تفعيل هذا الوازع حتى يأمن الناس على أعراضهم وأحوالهم.

نقول هذا ونحن نتابع ذلكم الزخم الإعلامي الكبير في الدورة السابعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي الذي جمع أطياف الإعلاميين أرباب الكلمة وأصحاب التأثير لمعالجة قضايا الإعلام المنفلتة، وأخلاقيته المنتهكة، ولعلهم قد أتوا على مواضع الخلل فسدوها، ومواضع النفع فآزروها، و كل ذلك فيما يملكه الإعلام المؤسسي من قنوات ووسائل، فعليه «تسخير كل الجهود لخدمة الوطن والمواطن أينما كان ودعم المسيرة التنموية والالتزام بمبادئ ومواثيق المهنة»، كما وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، ولن يكون كذلك إلا بأن يكثف من أدبيات الإعلام ويشيعها بين الناس، بدلاً من سفاسف البرامج، وسيئات العرض، فذلك خير للإعلام الرسمي وأقوم قيلا.

أما الإعلام الفردي فلعل هذا المنتدى الكبير يسهم في تنمية وازع الإيمان لدى الناس حتى يتخذوا وسائلهم لما ينفع ويتركوا ما يضر ويوجع، ولعله كذلك يحيي الضمائر القابلة للحياة حتى لا تنفلت ألسنتهم وأيديهم بما يسيء للناس أو البلدان.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر