ما وراء المقالات

أكثر ما يشدني في الصحف المقالات، لكن ما أتوقف عنده هو 10% مما أقرأه. أفضل كتّاب الأعمدة يأتون غالباً من خلفيات صحافية أو أكاديمية، يليهم أشخاص نشروا كتباً بعضهم جيد، والآخر يحب تخيل نفسه كاتباً.

حسب ما أرى في صحافتنا، فإن هناك ستة أنواع من المقالات، الأول: هؤلاء هم الأفضل، وهم غالباً يتناولون الشأن المحلي والموضوعات التي تشكل هموماً للمواطن والمقيم.

البنية: أفكارهم واضحة في الطرح والنقاش، وتتمتع بسلاسة في التدرّج، لأنهم من خلفية صحافية.

النوع الثاني: أكاديميون ومفكرون، هؤلاء مقالاتهم جيدة جداً، ومنيرة للعقول.

البنية: يطرح فكرة ويناقشها أو يرد عليها ويحللها، لكن بلغته الأكاديمية الثرية، هؤلاء لا يقلون عن النوع الأول، وكتاباتهم ثقيلة، لكنها ليست عيباً لما تحمله من إضافة نوعية في الصحيفة.

• أفضل كتّاب الأعمدة يأتون غالباً من خلفيات صحافية أو أكاديمية.

النوع الثالث: مثقفون وأدباء، وهم فريقان، الأول له مؤلفات قصصية. مقالاتهم نيّرة وتتمتع بحكمة بليغة، وبُعد نظر، لأن هدفهم توعية المجتمع.

البنية: طريقة التناول تحمل أبعاداً فلسفية كأن يغرق أحياناً في الوصف، كتاباتهم جيدة وأحياناً يتورّطون في المساحة، فينهون المقال فجأة.

الفريق الثاني من المثقفين والأدباء دخلاء على الفريق الأول، وهؤلاء ترون في مقالاتهم الآتي: كثرة الاقتباسات من شخصيات تاريخية أو فلاسفة، والاقتباسات ليست لها علاقة بالضرورة بجوهر الموضوع. اقتباس أول المقال ووسطه وآخره دون ربط واضح بين الاقتباس والفكرة المراد طرحها، وكثرة الاقتباسات تشوّه المقال. أيضاً هؤلاء لهم نظرة استصغار للمجتمع، خصوصاً الأفراد الذين يتمتعون بشغف معين.

البنية: كثرة الاستعراض أنه قرأ كذا وكذا، ويروّج لحساباته في «السوشيال ميديا»، من خلال المقال أو لإنجازاته، وهي غالباً سطحية أو يتوهمها، هؤلاء ربما لا يشعرون بذلك، لكنهم يعكسون تعالياً فجاً على القارئ العادي. يتحدثون في أمور فلسفية وثقافية كثيرة، وليست لهم منشورات ثقافية في الصحف، وعندما تبحث عن مؤلفات الكاتب لا تجد سوى مجموعة مقالاته في كتاب. طبعاً هؤلاء يفهمون كل شيء، لأن التخصصية عندهم عيب.

النوع الرابع: فئة تنتقد كل شيء وأي شيء، تحب تضخيم الأمور، لو قرأت المقال تشعر بأنه يصرخ، ليسوا دائماً مخطئين في ما يقولونه، لكن المبالغة لا تفارق كتاباتهم.

البنية: غير واضحة، لكن المقال قصير غالباً يصرخ عليك ما يريد قوله وينتهي بسرعة.

النوع الخامس: فئة هزلية تخلط السياسة بالاقتصاد والمجتمع والفنون.

البنية: غير واضحة، وهناك لف ودوران وإعادات، لأنه موجّه لمن يريد الكاتب أن يفهمه.

النوع السادس: الرومانسيون والحالمون والمثاليون الذين تشعر من كتاباتهم، بأنهم يعيشون في مدينة أفلاطون الفاضلة.

البنية: إغراق في توظيف التشبيهات، والفكرة تعاد كثيراً في المقال نفسه بعبارات مختلفة، والجمل مطوّلة، هو أقرب إلى خواطر منه إلى مقال.

ختاماً: المقال فكرة مراد إيصالها بالشكل الصحيح، وهو من أبسط فنون الكتابة الصحافية، لهذا السبب يستطيع الصحافي وغيره ممارسته، لكن ليس كل من كتبه أجاده، وليست هناك طريقة سحرية لعمله، إنما فكرته تأتي من حكمة، وبنيته من خبرة، وأسلوب صياغته فن.. وشتان بين كاتب المقال المحترف، ومن يتخيل نفسه كذلك.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة