بين رأسين

أغبط المحتفلين بالسنة الجديدة، الذين ينشغلون طوال النهار بتحضير مائدة طويلة، ومشروبات عديدة، وموسيقى مناسبة، ولوازم السهر لهذا اليوم التاريخي. أغبط المحطات الفضائية التي تعد الدقائق للسنة الجديدة، وتستقبل نجوم الغناء والفن والسياسة، وتقوم بنقل الألعاب النارية من مختلف أنحاء العالم احتفاءً بالعام الجديد.. أغبطهم لأنني لا أستطيع أن أفعل مثلهم، لا انطوائية ولا بخلاً ولا ضعفاً ولا خجلاً، وإنما بسبب تجربتي الطويلة مع التفاؤل.

فالسنوات الجديدة مثل السياسيين، كلما هلّلت لأحدهم وتحمّست له واحتفلت بقدومه ترحّمت على من سبقه، وقلت يا ليتنا بقينا على ما كنا عليه، فهذه سُنَّة التغيير في العالم العربي.

على أية حال، في خضم الاحتفالات والساحات الواسعة والمتسوقين والساهرين، رغم كل هذا الاتساع، إلا أنني أحس بأنني محشور بين رأسين ثقيلين في حافلة مكتظة، رأس السنة المنصرمة التي ترمي بأحداثه الثقيلة على كتفي الأيمن، ورأس السنة الجديدة التي ترمي بمجاهيلها الكثيرة على كتفي الأيسر.. هذه تسلمني إلى تلك، بمناوبة عجيبة، وأنا مثل «المطلوب الأمني»، لا أنا مالك لحريتي في السابقة، ولا أنا مالكها في اللاحقة، فأنا فقط أتلقى الضربات والمطبات والهزّات في رحلة العمر التي لا أعرف في أي محطة ستتوقف.

في رأس السنة، أحاول أن أفرح «على قدّي»، صحن برتقال وإبريق شاي و«مخلوطة تسالي»، وقليل من الأماني، لكني لا أبالغ في الاحتفال، ولا أبالغ في الأحلام، فقد بالغت بالأحلام في سنوات الشباب، وسقطت على رأسي، ووسّعت رقعة الأمنيات، فضاعت الإنجازات في شقوق الإخفاقات، لذلك أحاول ألا أسرف في الأحلام والتوقعات، وحتى لوازم السهر، بحيث لو خسرت فلن أخسر الكثير، ولو ربحت فسأربح أكثر مما هو متوقع، مائدتي متواضعة، وأمنياتي كذلك، أتمنى أن يبقى كل من حولي بصحة وعافية ونجاح، وأن أتمتع بذات الصحة والروح، فالثبات في مثل هذه السن تقدّم وتفوّق غير مرئي.

وبناءً على ما سبق، لا اهتم كثيراً بتوقعات المنجّمين على الفضائيات العربية، فكلما نجّموا لدولة فقدناها، وكلما اختاروا شهر الحظ انقلب نحساً، فالأحداث أسرع بكثير من التوقع، حتى النجوم لم تعد تلحق بالأحداث لتعيد ترتيب مواقعها الجديدة.. المشكلة أن خبراء الأبراج مازالوا يصرّون على أن مواليد برجي بانتظار أخبار مفرحة العام المقبل.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة