الثورة التلفزيونية الجديدة

لو كان ممكناً الانتقال زمنياً إلى الثمانينات وإبلاغ شخص يعمل في صناعة التلفزيون أن محل فيديو أنتج مسلسلاً، لما صدق الشخص هذا الكلام، وله الحق في ذلك. ولو حدث ذلك في التسعينات لما صدق أحد. حتى في القرن الـ21 وصولاً إلى عام 2010 تلك الفكرة لم تخطر على بال أحد.

لكن عام 2013 حدثت عندما أنتجت خدمة «نتفليكس» مسلسل «هاوس أوف كاردز»، وهذه خدمة فيديو على الإنترنت بدأت العمل بإرسال أقراص «DVD » إلى الزبائن عبر البريد العادي.

عندما طُرح المسلسل في الخدمة احتار المراقبون والنقاد في إمكانية دخوله المنافسة السنوية (الإيمي)، فهو عملياً لم ينتج حسب المعايير المطلوبة، أي أنه لم يبث عبر قناة تلفزيونية، رغم ذلك دخل المسلسل إلى المنافسة، وترشح عن كل موسم.

هذا دفع بخدمات الفيديو المنافسة لـ«نتفليكس» إلى دخول مجال الإنتاج. فعلتها «أمازون»، و«هولو»، والأخيرة فازت بجائزة أفضل مسلسل منذ أسابيع. فوز «هولو» دفع جيف بيزوس، مؤسس «أمازون»، إلى طرح سؤال على مساعديه: متى ستنتج أمازون مسلسل «لعبة العروش» الخاص بها؟

السؤال طموح ومخيف في الوقت نفسه، فالرجل لا يريد مسلسلاً ناجحاً فقط، وإنما مسلسلاً بحجم حدث، وذا ثقل ثقافي عالمي يشاهده أي شخص من الولايات المتحدة إلى الصين بالاهتمام والشغف نفسيهما.

لم تبلغ صناعة التلفزيون هذا القدر من الاهتمام العالمي (نحن العرب، كالعادة، خارج الحسابات والتاريخ)، والأسباب كثيرة وتجري عليها دراسات وأبحاث حالياً. لكن، نستطيع القول إن التلفزيون دخل التاريخ في هذا القرن تحديداً كأنجح وسيلة ترفيهية، وجاء ذلك للأسف على حساب السينما.

نجح التلفزيون بفضل صيغته التي تسمح بمد قصص الأعمال فترة كافية لتأسيس كل العناصر وإعطائها المساحة الكافية لإبراز كل سماتها النفسية والاجتماعية، بينما السينما لا تملك هذا القدر من الرفاهية.

نجح التلفزيون لسبب مهم هو أن السينما، خصوصاً في هذا القرن، لا تنفك أبداً من صناعة أجزاء لأي فيلم ناجح، وهو ما يضمن للمنتج التوسع في سلع أخرى كالألعاب والملابس مرتبطة بالفيلم دون الاهتمام بجودة المنتج الأصلي، وهو ما يعرف بصناعة «الفرانشايز»، لأن ذلك أسهل بكثير من تسويق فكرة أصلية.

ثورة التلفزيون بسبب ثورة التقنية وهو ما يعيدنا إلى بداية هذا المقال، فاليوم بات التنافس في إنتاج محتوى أصلي بين القنوات الأميركية، بالإضافة إلى خدمات الفيديو عبر الإنترنت، وكذلك إلى كيانات كانت بعيدة عن صناعة الترفيه، مثل «أمازون» وهو متجر إلكتروني، فضلاً عن أن «فيس بوك» و«يوتيوب» يخططان لدخول المنافسة.

حتى منتصف 2017، اعتُبرت خدمات البث عبر الإنترنت المتلفزة متطفلة على جوائز الإيمي، لا تحصل سوى على ترشيح أو اثنين في فئة المحتوى الأصلي، لكن هذا العام صبّت معظم الترشيحات لصالح تلك الخدمات، وفازت إحداها بالجائزة الكبرى، هذا يعني أن صيغة محتوى الإنترنت ستصبح معيار الغد.

ختاماً: في مكان آخر مازالت هناك خدمة تلفزيونية مدفوعة تطلب من الناس عناوين منازلهم لترسل فنياً لتركيب صحن لاقط فوق المنزل. هذا ما يسمى وسيلة بدائية في العصر الرقمي، كالذي يرسل ورقة فاكس في زمن الـ«واتس أب».

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة