5 دقائق

من يُبرمج أخلاق المستقبل؟

الدكتور علاء جراد

تناول المقال السابق الصراع بين الضمير والأخلاق لدى الإنسان، مع الذكاء المتنامي لدى الآلة في المستقبل القريب جداً، ويبدو أن الموضوع في حاجة إلى اهتمام جاد وفوري من جانبنا في الوطن العربي، إن لم يكن بالاشتراك في صنع الحدث، فعلى الأقل في فهم ما يحدث، ولا أزعم أننا في معزل تام عما يحدث، فهناك إسهامات عربية بناءة ومشهود لها، لكن الموضوع يحتاج إلى مجهود إضافي، واستثمارات أكبر في العقول والتعلم، قبل الاستثمار في شراء التكنولوجيا الجاهزة والمبرمجة مسبقاً بأيدي وعقول وقيم غربية، فماذا عن القيم في مجال التكنولوجيا؟

• هناك أمور كثيرة تحتاج إلى بحث ودراسات وتوضيح، خصوصاً في ما يتعلق باستخدام الروبوتات، التي باتت تستخدم في أمور لم يكن أحد ليتصور أنها يمكن أن تحدث.

لتسليط الضوء على بداية الإجابة أذكر «مشكلة القطار» أو Trolley Problem، وهي مثال معروف في الدراسات الفلسفية المتعلقة بالأخلاق وتصرفات البشر، نشرتها «فيبليبا فوت» في عام 1967. تتلخص المشكلة أو التجربة في أن هناك عربة قطار لا يمكن إيقافها، بل يمكن فقط تحويل مسارها، ولو استمرت في السير فستصطدم بخمسة عمال على مسافة قريبة، لا يدرون بقدوم العربة، ولا يمكن لهم الهروب من مصيرهم، وعلى المسار الآخر يوجد عامل واحد لا يدري أيضاً بقدوم العربة، وسيموت حتماً إذا تم تغيير المسار، فلنفترض أنك كنت أمام ذراع التحويل التي يمكن أن تغير مسار العربة، هل ستسحب الذراع وتحولها إلى المسار الثاني، وبالتالي سيموت شخص بسبب تدخلك المباشر، لكن سيتم إنقاذ أرواح خمسة أشخاص آخرين؟ أم ستترك العربة في مسارها ويموت خمسة أشخاص ولن تتدخل؟

هذه المشكلة تطفو الآن كثيراً، بسبب السيارات ذاتية القيادة Self-Driving Cars، فهذه السيارات تتم برمجتها بحيث تتخذ قرارات مهمة جداً، وتتعلق بأرواح وسلامة البشر، سواء كانوا ركاب السيارة أم المشاة أم ركاب السيارات الأخرى، فإذا افترضنا أن السيارة ستفاضل بين قتل خمسة مشاة، أو الحفاظ على حياة راكب أو ركاب السيارة، أي قرار سيتم اتخاذه؟ وهل سيختلف الأمر باختلاف سن ونوع الراكب؟ قد يبدو أن الموضوع سابق لأوانه في عالمنا العربي، لكنه يحدث ويُناقش بالفعل في الغرب، فأين نحن من ذلك؟ وأين رجال الدين من هذه التقنيات؟ فهناك أمور كثيرة تحتاج إلى بحث ودراسات وتوضيح، خصوصاً في ما يتعلق باستخدام الروبوتات، التي باتت تستخدم في أمور لم يكن أحد ليتصور أنها يمكن أن تحدث، وقريباً ستذهب العلاقة بين الإنسان والروبوت إلى أبعد مما نتصور أو نستوعب.

لاشك أن هناك الكثير من الإيجابيات لاستخدام التكنولوجيا، لكن هناك سلبيات قد تدمر قيمنا وموروثنا الأخلاقي والديني، بل والإنساني أيضاً.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر