الرزق الحلال

يعرِّف العلماء الرزق بأنه «ما ينتفع به» أياً كان مصدره، حلالاً كان أم حراماً، كما قال اللَّقاني في جوهرته:

فيرزق الله الحلالَ فاعلما ويرزق المكروه والمحرَّما

وقال:

والرزق عند القوم ما به انتُفع وقيل لا، بل ما ملك وما تُّبع أي اتبع به وجه الحق في الكسب، وهذا قول ضعيف، ولذلك عبر عنه بـ«قيل».

وهو من مباحث العقائد، لأن مما يجب على المرء اعتقاده في الله تعالى أنه سبحانه الرزاق ذو القوة المتين، وأنه متكفل برزق عباده ومخلوقاته؛ لأن ذلك من مقتضيات ربوبيته سبحانه، فيعطيه البار والفاجر، والمسلم والكافر، على حد سواء، كما قال سبحانه وتعالى في حواره مع نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، أي ومن كفر فأرزقه كذلك.

وحقيقة الرزق أنه ما تقوم بها حياة الخليقة من ضروريات وحاجيات وكماليات، أي ما يستهلكه المرء دون ما كان زائداً عن حاجته، مما يكسب ويدخر وينتفع به الكاسب، فإنه قد يكون رزق غيره وهو لا يشعر. كما قال بعضهم:

• سمّي الطيب طيباً لأن النفس السوية تستطيبه، والخبيث خبيثاً لأن النفس السوية تستخبثه وتنفر منه.

صنع من الله يعطي ذا بحيلة ذا هذا يصيد وهذا يأكل السمكا

وقد تكفل الله تعالى به لخليقته كما قال سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.

والتكليف الإلهي في الرزق إنما هو بالسعي لكسبه من حِلِّه، والابتعاد عنه من غير حِلِّه، وبهذا يتميز الرزق الطيب من الخبيث، فإن الله تعالى أوجب على عباده أجمعين أن يكون سعيهم له من الوجه الذي أباحه لهم، حيث شرع لهم شرعاً بيّن لهم ما يرضيه من الكسب وما يغضبه فيه، بناءً على قانون العدالة الإلهية التي بسطها لعباده فيعيشون بها، ورتب على ذلك ثواباً عند الطاعة، وعقاباً على المعصية، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، وقال سبحانه في شأن شريعة عيسى عليه السلام، وهو شرعه لجميع أنبيائه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.

وقد بينت الشرائع أن الطيب هو الحلال، وأن الخبيث هو الحرام، وسمّي الطيب طيباً لأن النفس السوية تستطيبه، والخبيث خبيثاً لأن النفس السوية تستخبثه وتنفر منه، لذلك أمر الله عباده أجمعين أن يأكلوا من الطيبات دون غيرها، فمن كان مؤمناً بربه ووعده ووعيده فعليه الالتزام بشرعه، في الكسب والأكل، فلا يتعدى حدود الله بما لا يحل له أخذه ولا أكله، ومن أجل هذا كانت الشريعة الإسلامية مفعمة ببيان أحكام الكسب حلاله وحرامه، ورتب على ذلك جزاءات دنيوية وأخروية، والواجب على المسلم الامتثال لذلك حتى يطيب كسبه وينجو من حساب ربه، فإنه مسؤول من أين اكتسب المال وفيما أنفقه.

نقول هذا ونحن نرى التغالب على كسب المال والشح فيه؛ لما بسط الله للناس من زهرة الحياة الدنيا، وما عجل لهم من طيباتها؛ ما جعل الكثير لا يفكر إلا في الاستزادة من المال، بغض النظر عن مصدر كسبه، فمنهم من لا يبالي من أين يكسب ما دام يمكنه الوصول إليه، ومنهم من لا يؤدي الواجب إن قدر أن يفلت منه.

نعم إن تلك غريزة في الإنسان، إلا أن الغرائز قابلة للتهذيب، وقد جاءت الشريعة المطهرة لتهذيب الغرائز في الكسب والإنفاق، والواجب على المسلم أن يتعلم منها ما يهذبها حتى تنجو من المسؤولية العظيمة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة