أُمّ ليومين فقط

تماماً كمن يعملون في حقول النفط بعرض البحار، وما يتعرّضون له من انقطاع عن الناس وساعات العمل الطويلة وقلة الترفيه والغياب عن الحياة الطبيعية، كانت زوجتي في «المطبخ» طوال شهر رمضان تعاني ما يعانيه مهندسو البترول في الحقول الحارة والصماء، فهي تقف أمام الغاز اللاهب والفرن المستعر ومنارات الجلي المكوّم على مدار ثلاثين يوماً، لذا حاولت تعويضها بإجازة لمدة 48 ساعة تقضيها في مسقط رأسها بتلك القرية الجبلية البعيدة، علّها تكون خالية المسؤولية في بيت والدها وأهلها كنوع من الاستجمام المرتبط بالعيد، وقبل أن تشدّ الرحال إلى بيت الوالد تقاسمنا أنا وهي غلّة الإنجاب، هي أخذت الثلاثة الصغار وأنا أخذت الاثنين الكبار، وانطلقت في رحلتها.

الآن جاء دوري في ممارسة دور الأمّ، أحاول أن أقدم لهما أفضل الخدمات في الأوقات المناسبة، أقف بباب الغرفة أبتسم لهما كتعويض مؤقت عن الحنان فلا يرفعان ناظريهما عن أجهزة «التابليت»، في هذه الأثناء يطوف حول رأسي فنجان قهوة ثقيل.. أبحث عن عبوة القهوة في الرفوف العليا وفي الخزائن في قفص عبوات الممالح.. أخيراً أجد القطرميز منزوياً خلف علبة حلاوة الطحينية، أين الملاعق؟ نبحث برحلة جديدة بين الرفوف والمشابك.. في السابق كان يأتيني فنجان القهوة وكوب من الماء البارد على طبق من راحة ودلال.. أعود للأولاد من جديد.. «تتعشوّا يا أولاد»؟؟.. أحد لا يسمعني.. أنادي بصوت أعلى «شباب تتعشوا»؟؟ بتثاقل ينزعون السماعات من آذانهم ثم يتبرّع كبيرهم الذي علّمهم «الكاندي كرش»، بالرد: خلص روح أنت اكتب واحنا بندبّر حالنا!

في اليوم التالي صحوت باكراً، لبست مريول المطبخ وشرعت بتجهيز الإفطار، الزيتون هنا، الجبنة هنا، الفول المدمس والفلافل أحضرتها من المطعم القريب.. بقي البيض، وأنا أضع الزيت على النار دعوت الله ألا يخزيني أمام الأولاد.. وأن يمضي ما تبقى من الساعات الأخيرة على خير.. ثم أنزلت البيضتين بجرأة متناهية على الزيت وتصاعد الدخان الأزرق وبدأت الطشطشة المرعبة، الأمر الذي اضطرني لإطفاء الغاز.. ثم إشعاله بين الحين والآخر.. النتيجة الطبقة السفلى محروقة والعليا نصف استواء، الشاي يصلح أن يكون حبراً للكتابة، من أجل ثلاثة صحون تكوّم عشرة أمثالها في الجلي.. والأولاد مثل الشعوب العربية لم يعترضوا ولم يمتدحوا سياستي بإدارة شؤونهم، هم يتذمّرون فقط في ما بينهم.

في هذين اليومين وصلت إلى قناعة مهمة جداً.. إذا كنت تعتقد أنك تقوم بعملٍ شاق ودقيق ولا يتقنه سواك.. كن أمّاً ليومين فقط ثم احكم!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة