5 دقائق

أزمة ثقافة

عبدالله القمزي

شكا لي صديق عزيز وزميل دراسة سابق، وهو شغوف بمشاهدة المسلسلات الأميركية، عدم وجود عمل عربي واحد يستحق المتابعة لا سينمائياً ولا تلفزيونياً. لم أجادله فالرجل على حق، وأنا كذلك أعاني الشيء نفسه، خصوصاً عندما أرغب في كسر روتيني ومشاهدة عمل عربي فلا أجد واحداً.

قلت له إن المشكلة لا تقتصر على الفن، بل تمتد إلى عمق الثقافة العربية. قررت بعدها الذهاب إلى مكتبة لعلي أجد كتاباً عربياً أرغب في قراءته. تعمدت عدم التوجه إلى كتب الترجمات، وكذلك تجنبت الكتب القادمة من الدول العربية الشقيقة، فالذي أبحث عنه كان منتجاً محلياً لأني تخيلت نفسي زائراً يريد التعرف إلى الثقافة المحلية أو النتاج الأدبي المحلي.

فماذا وجدت؟ مجموعة روايات تحمل أسماء مؤلفين محليين، فتحت إحداها للتصفح. الحقيقة شعرت بنوع من الخجل عندما وجدت الرواية مكتوبة باللهجة المحلية وليست العربية الفصحى الجميلة. هل يخجل المؤلف من لغته الأصلية ليكتب بلهجة محلية تستخدم في تطبيقات «الواتساب» وبصياغة ركيكة جداً؟!

• كتاب غارق في ما يظنه مؤلفه حكماً أو مواعظ لا نعلم من أين نقلها وبسطها وادعى أنها من تجاربه الشخصية.

فتحت رواية أخرى مقاوماً بشدة عنوانها المبتذل، وقرأت بعض الصفحات فخيل إليّ أن المؤلف يهذي ولم أفهم شيئاً! تركتها وتوجهت إلى رف آخر قريب وفتحت كتاباً قرأت منه ما يقارب 10 صفحات، ليس لأنه مشوق جداً بل لأني ذهلت لتفاهته، خصوصاً أنه يحوي كلاماً كالحكم لن أوردها هنا، لكن سأعطيكم أمثلة عليها:

كل طعاما صحيا جيدا حتى يتغذى جسمك ولا تمرض!

احرص على ملء خزان الوقود في السيارة حتى لا تتوقف في الشارع!

تناول الدواء في وقته حتى تتغلب على المرض!

تقيد بالقوانين كي تكون راقيا!

كتاب غارق في ما يظنه مؤلفه حكماً أو مواعظ لا نعلم من أين نقلها وبسطها وادعى أنها من تجاربه الشخصية، وكل حكمة يوردها المؤلف في سياق موقف أو حوار! السؤال: ما الذي يجعل دور النشر تطبع مثل هذه الكتب؟ إن مبادرات القراءة التي أطلقتها القيادة الرشيدة ودعمتها تهدف إلى الارتقاء بالعقول وتثقيف النشء وتأسيس جيل مثقف واعٍ ونبيه، فهل هذه النوعية من الكتب تسهم في تحقيق هذا الهدف النبيل!

ما الهدف من هذه الكتب؟ أو بالأحرى لماذا تجد جمهوراً؟ كتب لا معنى لوجودها لا تعكس سوى سطحية مؤلفيها وتعاملهم مع القارئ بفوقية كأنه يجهل كل ما حوله!

ما أعلمه ومتيقن منه أن دور المثقف هو المساهمة في بناء المجتمع وتحصينه من الثقافات الدخيلة والهدامة، وحثه على التمسك بقيم الدين والولاء للوطن، والمحافظة على اللغة والتراث، وليس نشر التفاهات وتسطيح العقول وتغييب المضمون الراقي والمفيد لمصلحة الشهرة والمال وتقليد الآخرين ممن سلكوا هذه الطريق.

مسك الختام: في الغرب «الذي نحب تقليده» حين يقدم طالب أطروحة الدكتوراه يطلب منه تأليف بحث جديد من 200 صفحة غالباً عن تخصصه، أو تقديم المادة بطريقة جديدة لم يسبقه إليها أحد. وهذه رسالة دكتوراه، فما بالكم لو كان مؤلفاً بصدد الشروع في تأليف كتاب.

معظم مثقفي الجيل الحالي الواعين عندما أسألهم: لماذا تقرأون باللغة الإنجليزية؟ يقولون لأننا لا نجد شيئاً صالحاً للقراءة بالعربية. بعد تجربتي مع تلك الكتب.. لا ألومهم.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر