فتنة الإقصاء.. فينا سماعون لهم

يعيش العالم الإسلامي اليوم أشد ابتلاءاته، تهون أمامها كل البلايا السابقة التي حلت بالأمة في الـ100 سنة الماضية. الابتلاء في الدين ووحدة العقيدة، وبالتالي وحدة النفس وسلامة نسيجها الإيماني وتعايشها الداخلي، إقصاء طائفي، جر إلى إقصاء داخل الطائفة الواحدة، وسيجر معه إقصاء داخل الفرقة الواحدة، لتتعاقب الإقصاءات وعمليات الإبعاد والنفي العقيدي مكملة السقوط نحو هاوية التمزق والتفتت، ثم التصادم على كل المستويات تحت لافتة واحدة يحملها الجميع ويدعي فيها تمثيل الإسلام الصحيح، وحقيقة الواقع تشير إلى أن لا أحد من هؤلاء المدعين الإقصائيين يحمل الإسلام الصحيح، أو يستحق أن يتكلم باسم عقيدة التوحيد أو أهل السنة والجماعة.

الإقصاء بطبيعة الحال يجر إلى مثله، وهذا يستدعي فعلاً عقلانياً يشد اللجام قبل أن تنفلت الأمور، بدلاً من القصف الإعلامي والقصف المضاد.

صحيح أنه لم تخلُ مصيبة حلت بالأمة الإسلامية في العصور المتأخرة من دور ليدٍ خفية لها مصلحة في ما يُسمى «نظرية المؤامرة»، ولكن هذه الأيدي الخفية لم تكن لتجد لها منفذاً لولا الثقوب، بل الفجوات الكبيرة التي جعلت ديار العرب والمسلمين بيوتاً بلا أبواب وحصوناً بلا حراس، ووجدت من بين المسلمين سماعين لها، خصوصاً النخب المدعية تمثيل الدين والمؤسسات التي اختطفت العقيدة وجعلتها ملكيات خاصة، تحتكر من خلالها منح صكوك العقيدة الصافية والتدين الصحيح وتنكر على غيرها الانتساب إلى الإسلام، حتى وصلنا اليوم إلى محاولات تأصيل هذا الشق في جسد الأمة بعقد مؤتمرات تحت رعاية دول غير إسلامية لتؤسس على أساس دعاوى علمية باطلة، واستحضاراً لتاريخ مجتزأ فتحدد من هم أهل السنة والجماعة، كما حدد غيرهم من قبل من هم أهل العقيدة الصحيحة وأهل العقيدة الباطلة.

السنة لم تولد مع الأشعرية والماتريدية والصوفية ولا الوهابية، بل كانت نبعاً صافياً رعاه رجال لم يتقوقعوا في حظيرة فرقة ولم ينشغلوا بفرز الناس وتحديد من هي الفئة الناجية، بل كانوا مشغولين بجمع السنة وتأصيل علومها ونشر المحبة والألفة والوحدة بين المسلمين، وجماعة المسلمين ولدت مع المهاجرين والأنصار، واستمرت في عموم بسطاء المسلمين الذين لم يغوصوا في فلسفات المتنطعين ولم يلتفتوا إلى ترهات المتكلفين، ولم يعبأوا بتصنيفات المتدثرين بعباءات علوم الفتنة ودعاة الفرقة.

الإقصاء بطبيعة الحال يجر إلى مثله، وانشغال بعض المسلمين بوهم غربلة أهل التوحيد، وإخراج أكثر المسلمين من وصف صحيح الدين، فتح أبواباً للطرف الآخر ليبدأ هجوماً مضاداً عنوانه ديني، وكل محتويات ملفه سياسية بامتياز، هدفها إحداث المزيد من العطب في جسد الأمة العربية، والدول المحورية فيها، وضرب «إسفين» خلاف وفرقة بينها تقرب موعد ضربتها القاضية، وهذا يستدعي فعلاً عقلانياً يشد اللجام قبل أن تنفلت الأمور، بدلاً من القصف الإعلامي والقصف المضاد.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة